سؤال وجواب

نعمان إسماعيل عبد القادر

[email protected]

سأله مدير المدرسة إن كان في مقدوره أن يدرّس طلاب الصفّ السادس اللغة الإنجليزية، لم يجد مفرًّا من الإجابة بـ"نعم" فورًا ودون تأخيرٍ لأن "لا" تفسد عليه الحصول على ساعات إضافيّةٍ لإكمال وظيفته التي ابتدأها بدفعة يدٍ خارجيّةٍ قبل ستّ سنوات، وهذه فرصةٌ كان ينتظرها منذ مدّة ولا تعوّض.

يلج في حجرة الصفّ حاملاً بيده حقيبة من الجلد.. يلقي التحيّة بعبوسه المعهود.. يتلو الأسماء وهو يرهفون السمع.. يشرع في طرحِ ما خزّنته ذاكرته من أسماء الأشياء بالإنجليزيّة مشيرًا إليها بسبّابته وهو يلوي لسانه ويمطّ شفتيه كي ينبلج النطق بقدر ما يكون شبيهًا بنطق العجم.. هذا كتابٌ.. وتلك سبورةٌ.. وهذه طاولةٌ.. وذاك قلمٌ...

وقف أحد النجباء مادًّا ذراعه إلى الأعلى يستأذن طَرْحَ سؤالٍ على "شكسبير عصره"  قائلاً من غير وجلٍ:

- يا أستاذي! وكيف نقول "بنطلون" بالإنجليزيّة..

تردّد برهةً وتعرّق جبينه، تقدّم ببضع خطوات نحو الباب دون أن ينبس بكلمة فأغلقه وهو يفكّر بعمقٍ، ويهزّ رأسه بعبوسٍ شديدٍ: "بنطلون؟! من أين أتاني هذا الملعون بهذا السؤال المحرج؟ ومن أوّلها يريد اختباري عامدًا متعمّدًا!!"

- تعالى إلى جانبي أيها الطالب! وبسرعة!

ظنّ السائل أن سؤاله يدلّ على فطنته وأن المعلّم، فارع الطول، ينوي مكافأته أو ربما تقديمه لزملائه على براعته كما اعتاد الآخرون على تقديمه لهم من قبل.. فسارع للوقوف إلى جانبه مستبشرًا خيرًا لكنه لم يكد يعتدل في وقفته، حتّى قبض على معصمه وانهال عليه ضربًا موجعًا وركلاً مهينًا صائحًا فيه بصوتٍ مجلجلٍ:

- ألا تعرف الأدب يا بهيم؟ لماذا تتكلم دون ان أسمح لك بذلك؟ ثمّ من أين أتيت بهذه الوقاحة؟ تسألني عن أسهل كلمة.. من الواجب أن تعرفها لوحدك ومنذ سنوات.. لن أتسامح معكم جميعًا طوال هذا العام.

جلس المسكين على مقعده يلملم بعضه ويبكي من آلامه وقد أدرك أن من واجبه معرفتها منذ زمن طويل...