يبحث عن صاحبه

من الأدب التركي

جنيد سعاوي

عاود الشاب سيره ببطء ودون هدف وهو يرمي ما حوله بنظرات شاردة ...فجأة تعثرت رجله بشيء ناعم في الظلام الدامس الذي يحيط به ... عندما انحنى على الارض ليتفحص هذا الشيء لم يتمالك نفسه من اطلاق صيحة دهشة ورعب ... يا الهي !! لم يكن هذا الشيء القابع على الارض بين قدميه غير قلب حي اقتلع بمهارة فائقة من مكانه... قلب حي تملأه الدماء ... قلب كالقلوب التي نشاهدها في كتب الأحياء تماماً .

أخذ القلب بين كفيه بحذر شديد وعناية فائقة ، كاد ان يغشى عليه منفرط الرعب الذي شعر به بسبب الدقات الصادرة منه ... أجل كان القلب لا يزال حيا ودافئا وينبض بكل قوة " تيك تاك ... تيك تاك ".

دارت عشرات الافكار في رأسه وهو حائر لا يدري ماذا يفعل : أيحتفظ بالقلب ام يرمي به بعيدا ؟ ... كان بالتأكيد يريد التخلص من هذا الموقف الحرج ،ولكن كأنّ يدا خفية كانت تحول بينه وبين رمي القلب الحي والابتعاد عنه .

مرت بضع دقائق قبل ان يحس ببعض الهدوء ... فجأة قرر البحث عن صاحب القلب .

طرق باب اقرب منزل اليه ، بدت فتاه شابة من طاقة الباب،

مدَّ يده الملطخة بالدماء اليها وهو يسأل :

- هل هذا القلب لك ؟ ثم تنحنح بضيق وهو يقول مستطرداً :

- لقد وجدته قبل قليل ها هنا .

احمر وجه الفتاة الشابة وهي تجيب :

- لقد سلمت قلبي لحبيب خان حبي ، وفارقني قبل ثلاثة أشهر ... على كل حال اسأل المنزل المجاور علّك تجد فيه ضالتك .

كان المنزل المجاور الذي أشارت اليه الفتاة قصراً فخماً يبهرالأنظار ... فتح الخدم الباب وقادوه عبر صالات وردهات واسعة ليقابل صاحب القصر ...كانت قدماه تغوصان في السجاجيد الناعمة التي تغطي الأرضية وصاحبنا يحاول جاهدا إزالة آثار قطرات الدم الساقطة من القلب على السجاجيد بقدميه .

سأل الرجلَ البدين المنتفخ من التخمة :

- أهذا القلب لكم ؟ إنه لا يزال ينبض .

رد سيد البيت بعد ارتشاف جرعة من قدحه المصنوع من الكريستال:

- يا عزيزي ! لقد بعت قلبي لملذات الدنيا وزينتها .ثم ارتسمت ابتسامة ماكرة على شفتيه وهو يقول :

- اسأل المجنون الساكن في جوارنا ... إنني متأكد أنه يعرف صاحب هذاالقلب .

أسرع الشاب إلى البيت المجاور حاملا القلب الذي بدأت البرودة تسري فيه ، وبدأت دقاته بالتباطؤ ... مدَّ يده بالقلب إلى الشيخ قائلا :

- أتعرف صاحب هذا القلب ؟ ... أرجو أن تسرع لأنه على وشك التوقف.

رفع الشيخ رأسه إلى الشاب وقال وهو يطوي المصحف الكريم بكل عناية:

- يا بني ! إنني قدمت قلبي وكل حواسي ومشاعري إلى الله عز وجل . ثم استطرد مبتسما :

- لم لا تسال والديك عن صاحب القلب ؟

تعثر الجواب على شفتي الشاب :

- لقد شاخا تماماً ، وتقدم بهما العمر ، وهما يتوقعان مني الاهتمام المستمر بهما وكأنهما طفلان صغيران ، فتشاجرت معهما قبل ثلاثة أيام وتركتهما ، وغادرت المنزل إلى غير رجعة .

ارتسم الألم على وجه الشيخ وهو يتمتم :

- أتركتهما يا بني ؟ ... أتركتهما ؟

أخذ الشاب يحدق في وجه الشيخ ببرود وهو ينتظر منه جواباً شافياً .

دنا الشيخ بخطى ثابتة من الشاب وأمسك قميصه بكلتا يديه ثم استجمع قواه ومزق القميص كاشفا صدر الشاب الذي تجمدت نظراته فوق الفجوة الدامية في الجانب الأيسر من صدره وبحجم القلب الذي كان يمسكه بيده..