زوجتي المثالية
رؤى صبري
أخيراً جاءت عطلة نهاية الأسبوع التي تحلو فيها أجمل أوقات السمر، خاصة تلك التي تجمع الأصدقاء في القهوة حيث أعتدنا أن نلتقي منذ أيام الجامعة ، والتي أصبحت ملتقانا الرسمي بعد أن تفرقت بنا سبل الحياة الأسرية والعملية, وهكذا رحت ارتدي ثيابي استعداد للذهاب خاصة أني أحب أن أحضر السهرة من بدايتها ، أغلقت باب المنزل وركبت السيارة وحرصت على سلك طريق مختصر , وكما توقعت كنت أول الواصلين ،أخذت مقعدنا المعتاد والذي أصبح جزءا من السهرة رحت أنظر للساعة وأنا أنتظر الرفاق ، لم تمض دقائق حتى وصل عمار أشرق وجهي لرؤيته لكن ما لبثت أن عبست حين رأيت وجه مكفهرا وبلا مقدمات رحت أسئله:
عمار ما بك؟
أطرق بصره في الأرض ورفعه بسرعة وقال:
إنها زوجتي.
هتفت بسخرية:
مرة أخرى ؟!
رمقني بنظرة حادة ولم يعلق, ففهمت ماذا يقصد في نظرته تلك ، فالواقع أن قصص عمار مع زوجته أقرب إلى الأساطير وهي قصص لا تنتهي ، ومشكلتها الوحيدة أنها بلا مشكلة أصلاً حيث يظهر عدم رضاه دوما وكل مرة يأتي فيها بقصة جديدة تساعدني على قضاء أمسية الخميس بشكل أفضل !
عدت أسئله:
وماذا حصل هذه المرة؟
كان هذا السؤال بمثابة زر التشغيل لجهاز التسجيل في ذاكرته فبمجرد أن أسأله يبدأ عمار كعادته في تفريغ محتويات صدره.
أجاب بصوت صارخ :
تخيل لقد استيقظت في الصباح متأخراً لأجد أنها اتصلت بالسائق وطلبت منه توصيل الأولاد للمدرسة دون أن تتكبد عناء إيقاظي من النوم أليس من المفترض أن أجلس مع أولادي قبل ذهابهم لأعرف أحوالهم وأخبارهم واحتياجاتهم؟ إنها تنزع قيمتي كرجل وكرب أسرة ! ,إنها تتعمد التقليل من قيمتي وتنزع هيبتي أمامهم, وليتها قصرت عملها على هذا فحسب ، ويهدئ من نبرته الحادة قليلاً ويضيف : تصور عندما عدت من العمل عرجت على أمي لأتناول معها الغداء كعادتي يوم الخميس فقط لأفاجأ بأنها أنجزت لأمي المعاملة البنكية المتعلقة بتقاعد الوالد رحمه الله والتي كان من المفترض أن أقوم بها مما يعني أنها لم تكتفي بتقليل قيمتي أمام أولادي فحسب بل امتد الأمر إلى عائلتي حتى تشعرهم بأنها الكل في الكل وأنني ضائع تائه من دونها لا قيمة لي ولا أساس وحتى إذا ما غضبت منها قام الكل ودافع عنها, هذه هي خطتها أن تظهر كملاك أمام كل الناس حتى تحصل هي على كل المديح وكل الثناء وماذا يبقي لي أنا؟ ويجيب في نفس الوقت لاشيء لاشيء فأنا بالطبع زوج الست لا أكثر.
جذب نفسا عميقا من نارجيلته ونفثه في الهواء بقوة كتنين ينفث نارا في الغابة وعاد يكمل : بعد أن خرجت من منزل أمي ذهبت للبقال لدفع بعض المتأخرات و لاداعي لكي أخبرك أنها دفعتها أيضا ولم تبالي بالطبع بكمية الحرج التى شعرت بها أمام البقال خصوصا مع النظرة التى جحدني بها كأنه يعيد ليذكرني بأنني عالة على زوجتي وأنها هي المتحكمة في زمام الأمور, رجعت للمنزل غضبان أرى سحبا سوداء أمام عيني, رحت أنظر للساعة وأنتظر موعد عودتها من العمل ومع كل دقيقة تمر كانت أعصابي تثور أكثر خاصة عندما حل المساء ولم تأتي لا هي ولا الأولاد فتحت التلفاز ورحت أشاهد بعينين لا تريان وأذنان لا تسمعان ولم أشأ أن أتصل بها حتى لا تحضر أعذارها التى تجيدها دوما ؛وأخيرا انفتح باب الشقة لتدخل هي والأولاد الذين هرعوا نحوي يقبلونني ويحضنونني دون أن أعرف سبباً لهذه الفرحة المرسومة في أعينهم حتى بادرني أصغرهم بالقول:
أبي هل تعرف أين ذهبنا بعد المدرسة؟
أجبت محاولا أن يكون صوتي لطيفا:
أين يا صغيري؟
رد ببراءة الطفولة :
لقد أخذتنا ماما لمدينة الألعاب وابتاعت لي دمية "سوبنج بوب " التي طالما طلبتها منك يا بابا وكنت دائما تنساها.
وهنا قالت بسرعة:
كلا يا حبيبي بابا لم ينساها بل هو من طلب مني أن أشتريها لك.
نظر إلي فرحاً مسرورا قائلا:
صحيح يا بابا؟!
تلاقت عيننا بسرعة ثم احتضنته و قلت:
صحيح يا صغيري.
إلى هنا وأنا لا أزال استمع إليه بكل حواسي ولم أشأ أن يتوقف عن حديثه فسألته وماذا بعد يا صديقي ؟
بلع رشفة كبيرة من قهوته التي كانت قد بردت وقال : راحت هي تذكر الصغار بموعد النوم وتأخذهم لغرفهم بينما غمغمت أنا في نفسي متسائلا هل كان ينقصني أن يأتي ابني أيضا ليذكرني بأنني لا فائدة مني ؟ إذ يوجد من يحل محلي ويقلل قيمتي هذا بالضبط ما كان ينقصني.
وبعد أن أطمئنت أن الأولاد ذهبوا للنوم جاءت لتجلس بجانبي وضعت يدها على كتفي فأزحتها بقوة وسألتها بحدة :
هل نام الأولاد؟
أومأت برأسها ولم تتكلم, هنا فجرت فيها براكين غضبي وصارحتها بأن ما تفعله لا يليق بزوجة محترمة وأن عليها أن تلتزم بواجباتها المنزلية لا أكثر وأنها مهما فعلت ستظل هي زوجة لا أكثر وحذرتها أن ما تفعله سوف يقودها إلى خراب لا يعلم به إلا الله,أنهيت كلامي ونظرت إليها منتظرا بماذا سترد و لم تجاوبني حينها إلا دموعها الصامتة ولعلعة صوت باب الحجرة حين صفعته صفعة هزت وجداني,نفذ وقتها مخزون شجاعتي ولم أجد نفسي إلا هنا.
خيمت على وجهه سحابة حزن تجانست مع صمته العميق ظللت أنظر إليه وأنظر أفكر إلى أن قلت:
أهذا حقا ما يغضبك في زوجتك؟!
نظر إلي بعينين اغرورقت بالدموع وقال:
زوجتي مثالية أشعر بجانبها بضآلتي وصغري، تفعل ما يجب أن افعله تحرص على راحتي لأبعد الحدود, تراعيني في غيابي وحضوري إنها مثالية لا مثيل لها وأنا مليء بالعيوب والأخطاء لا أستطيع أن أكون مثلها ولا حتى قريبا منها ,وجودها يقتلني وفي غيابها أنا طفل تائه, طفل أحمق لن أعرف قيمتها إلا حين ترحل يوما.
قال جملته الأخيرة ومد يده ليأخذ منديلا من فوق الطاولة ليمسح دمعة سالت على خده كفكفها على عجل حين رأى الرفاق قادمون.