كان يا ما كان... رعية وسلطان

عبد الرحيم صادقي

[email protected]

كان يا ما كان، في حاضر الزمان، أرض ذات نخل ورمان، يحكمها سلطان من آل عَبدان. خبير بالحرب، عليم بالرمي والضرب. متقن للكر والفر، وذا صنيعه في البحر والبر. لكن جوْر السلطان، واستئثاره بالجِنان، على شيوع الفقر والهوان، عجل بخراب العمران. إذ هبَّ الشعب المسكين، نابذاً صمت السنين، كاشفا جرحه الدفين، و قد علم علم اليقين، أنَّ ما كل صمت حكمة، وأكثره حسرة ونقمة.

فها قد هبت جموع غفيرة، غاضبة مستنكرة. طالبة إصلاح الأوضاع، هاتفة بسقوط اللصوص والقطاع، من كانوا سببا فيما أصاب البلاد من ضياع. فجن جنون المتسلطين، وطارت أفئدة الزبانية والتابعين. وأصاب رؤوسهم الصداع، فجعلوا أصابعهم من سوء الطباع، في آذانهم معرضين عن السماع. ثم صدر الأمر من خلف القلاع، بإنزال العسكر لتأديب الرعاع. فالتقى الجمعان، وحدث ما لم يكن في الحسبان. أطلق العسكر الرصاص، والناس يستنجدون ولا خلاص. فسالت الدموع بعد الدماء، على أرواح الأبرياء.

لكن سرعان ما ضمد الناس الجراح، وتصبروا ولملموا الأقراح، وعزموا على أن يطيحوا بالصنم ومعه الأقداح. هوى الصنم فعمت الأفراح، وعاد الناس للكلام المباح. قالت عصبة من ذوي الألباب، ما من إله إلا رب الأرباب. فافسحوا للتعدد واختلاف الآراء، وأشركوا الرعية في الأمر وأصلحوا القضاء. ولتكن الحجة والإقناع، وليكن الاقتراع! وليعش العدل والحرية! وليسقط الظلم عِلة كل بلية!