الأمريكي
محمود أحمد الشمايله
ما أن دخل إلى صالة الاستقبال حتى بدأ الدم يغلي في عروقي ، واستحال جسدي إلى تعويذة كتبها عراف لا يعرف القراءة .أردت أن أنقض عليه وأمزقه بأسناني .
ليس غريبا أن يحظى بكل تلك العناية من قبل عمّال الفندق ، فكل شيء كان يشي بـه ، قبعة رعاة البقر ، قميصه الذي حيك بعلم بلاده ، حذاؤه ذو العلامة التجاريـة المشهورة (نايك) ، دون أي عناء عرفت أنه أمريكي، شيء ما في داخلي بدأ يتغير تدريجيا ، لحظات السعادة تنسحب من غير حول مني ولا قوة ، مع أنني جئت إلى هنا لقضاء إجازة استجمام ودون أن أشغل نفسي بشيء.
هكذا وبكل وقاحة دخل إلى الفندق ، بعد أن ارتدى ابتسامته البريئة ليخفي خلفها صور الدمار والقتل والإرهاب التي ارتكبتها يداه .
كالعادة يحظى الأمريكي بعناية خاصة من قبل عمال الفندق، مع علمهم أنه سيأخذ أكثر بكثير مما سيدفعه فهذه هي ثقافة العم سام .
بكل إذلال يستجديه عامل الاستقبال للجلوس لحين إعداد الغرفة، يجول بناظريه باحثا عن مقعد ، لا أدري أن كان سوء حظي أم قدره الأحمق الذي دفعه ليجلس بجانبي على المقعد الشاغر اليتيم ، أرسل ابتسامة صفراء ما أن وصلتني حتى ارتديت كشرتي الأردنية واستعدت ملامحي القاسية ثم استحضرت عيني جدي التي كان يجحظني بهما ، تلك النظرة التي أعرفها جيدا ، فعندما كان يرمقني ، أشعر بأن جسدي يتكسر كلوح زجاج ، أستعيد تلك النظرة وأقذفه بها ، لكنه يتجاهلني بعد أن يصفعني بابتسامه جديدة ثم يعدّل جلسته .
الضجيج في داخلي يعلو
أشعل سيجارتي الرخيصة .
الضجيج في داخلي يتعاظم .
أنفخ الدخان في الفضاء ، يرمقني بنظرة دون ابتسامه ثم يدور برأسه ، عرفت أنه غاضب ، أشعر بارتياح شديد . لعله يتساءل كيف لهذا الغبي أن يجرؤ على إثارة غضبي وهو الذي أغضب العالم كله ، اسحب نفسا عميقا وانفخه في وجهه مرة أخرى ، واصعد سلم الارتياح ، يبدأ بالسعال وأنا انزلق في المقعد بكل وقاحة واضع قدما على قدم ، بعد أن ألحقت به ضررا ، أسحب بقوة وأقذف الدخان في وجهه ، يزداد سعاله وتزداد سعادتي ، تنتهي السيجارة ، وأدوسها في المنفظة يرمقني بنظرة شماتة ، في تلك اللحظة تمنيت لو أنني أملك سلاحا أكثر فتكا ، ليتني جدي في لحظة حقد أدخن الهيشة ، ربما قضيت عليه من أول نفس.
أشعل سيجارة أخرى ، وأتمادى في نفث الدخان في وجهه ، يزداد غضبه دون جدوى ، يتواطأ معه عامل الفندق باستدعائه وتسليمه مفتاح الغرفة التي سيقيم فيها ، اشعر بخيبة كبيرة فقد كانت تلك فرصتي للقضاء عليه .
هدنه ثم تستمر المعركة ...
أتسكع في أرجاء الفندق ، انه هناك بالقرب من بركة السباحة ، ألقى بنفسه بين الأجساد العارية التي تركت نفسها باسترخاء لتشويها شمس سيناء الحارقة ، اقتربت منه أكثر ورحت أتحين الفرصة للانقضاض عليه ، ما أن لمحني حتى سارع بالقفز إلى حوض السباحة هاربا ،معتقدا أن الماء سيحميه ، واني لا أجيد السباحة .
هذه فرصتي ، أقسم أنني لن أضيعها ،استجمع قواي وحقدي ، واستعين بذاكرتي لاستحضار كل جرائمه ، جرح بغداد الذي لم يلتئم بعد ، قانا ، غزة ، القدس ، قافلة الحرية و.....
اصعد سلم التأهب إلى الدرجة القصوى حتى أصبحت كالثور الاسباني في حلبة المصارعة .
ما احتاجه الآن قليل من الجرأة ، الجأ إلى البار القريب واحتسي الكأس الأول من البيره،
الكأس الثاني ، فأنتشي بالأول ، ثم الثالث والرابع ، اشعر بالدخان يخرج من انفي وأذني أركل بقدمي الأرض وأدور حول حوض السباحة ، وأحرص على استغلال عنصر المفاجأة ، أصبح الأمريكي أمامي حشرة حقيرة سأدوسها بقدمي ، أقفز في الماء واقترب منه أكثر ثم أتبول الكثير من البيره ، واحرص على أن يصيبه الرذاذ ، اشعر بارتياح كبير وانتشي ، اخرج من الماء وأنا أراقبه عن كثب ، بمهارة فائقة يغطس تحت الماء ثم يظهر من جديد وهو يقذف الماء من فمه . وأنا ابتسم شماتة .
عدت إلى البار لاحتسي كأس النصر على أنقاض الأمريكي ، وهو ما زال يمارس هوايته في السباحة والغطس .