الشّكَّ... بعد خروج المواطن العربي من مقابلة السفير
الشّكَّ...
بعد خروج المواطن العربي من مقابلة السفير
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
خرج الرجل من عند السفير حائراً , لم يجد إجابات عن تساؤلاته , لم يجد تفسيراً مقنعا لازال يشك , الشكوك تطورت لأبعد من هذا , لعل ديكارت قد علم حقيقتي , يمكن أنه قد سبق الفلاسفة جميعها في تصوير حالي كمواطن عربي
الشك الديكارتي وأنا على خطين متلاقيين , أنا ؟ هي هويتي , ابن فلان من أصل عربي , لي أم اعرفها وأب اعرفه ولي أخوة وأخوات وعائلة وعندي زوجة وأطفال , طولي كذا.... وزني أعرفه... لون جسمي وشكله ولا علامات فارقة , لعل العلامات الفارقة والتي لم يسعفني قدري بوجودها في وجهي كانت السبب في أنني فقدت هويتي , ولكن أنا موجود بالفعل , مازلت حيا
وهل الحياة فيها سعادة ؟
السعادة عند أرسطو , لها ثلاثة أشكال
السعادة في المتعة والتسلية
السعادة في أن تعيش حراً ومسئولاً
السعادة في أن تعيش فيلسوفا أو عالماً
أشك أن أرسطو لو كان يعيش في وقتنا هذا لكانت أنواع السعادة عنده بعد اطلاعه على قصتي قد اختصرها بنقطة واحدة وهي :
السعادة في وطن يشدك ترابه إليه ويضمك بين ذراعية كعاشقين متلاصقين متلازمين في الحياة الدنيا والآخرة
ومرت أيام فهي لم تكن أياما فقط , شكي أنها كانت سنوات طويلة , ليلها طويل ونهارها أطول أول ....نهارها طويل وليلها شديد الظلام
بعد أيام سوف تكون المقابلة الفاصلة مع مندوب من منظمة الأمم المتحدة لشئون اللاجئين
يقترب الموعد الساعة تمر ببطيء شديد , دقات قلبه تتسارع , تزداد شكوكه تظهر أمام عينيه أشباح غريبة وهو يقف في طابور الانتظار , شبح شجرة سنديان إنه يعرفها كان يلعب تحتها مع أصدقائه ويستظل بظلها من حر الشمس في الصيف الملتهب
صورة امرأة قد نالت منها السنون , حزينة منهكة القوى تظهر على ملامحها الحسرة والندامة تريد أن تصرخ ,لا أسمع صوتها , لا إنني أسمعها جيدا , تقول أنت تشبه ابني ولكن أشك في أن يكون ابني وفلذة كبدي.. أراه يقف هنا ليكون الجاسوس علي أمه وأبيه ووطنه وذويه
يريد أن يخرج من أوهامه يريد أن يبعد تلك الأشباح عن مخيلته والتي تتراءى أمامه , لن يستطيع طردها لن يقدر على ذلك , ذاك الرجل الذي يقف بانتظار الصيد الثمين , ذلك الرجل سيجلس معي وجها لوجه
إنه سوف يسألني أدق التفاصيل
هو يهودي صهيوني حتما
كيف سأجلس أمامه ودماء الأطفال في غزة لم تجف بعد
سيكون السيد وأنا العبد المطيع , لن أجرؤ أن أخفي عنه شيئا , لن أستطيع أن أقول كذبا , لن أقدر أن أراوغ معه , فهو بطبعه شكاك ومن شكه هذا سيكون مخالفا ومغايرا , إنه يشعر بنفسه أنه فيلسوف , فلن تكون فيلسوفا ما لم تكن متغايرا
كانت الواقعة شديدة عليه , صاعقة ضربت جسمه من رأسه لقدميه , بدأ يفكر بكل الذي حصل في مبنى المفوضية , كانت الصاعقة الماحقة , لقد أصابت عينيه بغشاوة , وأذنيه بصمم مؤقت وعقله بهلوسة عندما جلس على الكرسي في مكتب المفوض
ويجلس أمامه الرجل الذي قابله منذ أيام خلت
وبعد هول الصدمة وعودة الوعي إليه , نظر للشخص الذي أمامه ليتأكد , أو يزيل الشك الذي أوقعه بهذه الهلوسة المؤقتة
ليرى ابتسامة عريضة مليئة بالسخرية متوجهة لشخصه فقط
يا رباه إنه السفير الذي كنت عنده منذ أيام
يقول من المستحيل أن يكون هو.... لعله يشبهه , حتما يشبهه , أو أنه يتخيل لي , لا... لا... أنا احلم لعلي نمت بدون غطاء
وهو بالحيرة تلك , يسمع صوتاً يقول له أهلا وسهلا
يتلعثم الرجل يريد أن يرد التحية لكنه لا يقدر
استجمع قواه وسأله ألست أنت السفير الذي قابلني منذ أيام
نعم أنا السفير , وأنت الذي كلمتني عن أنك ستكون جاسوساً
ولكي تكون صادقا بالحديث تم اختياري للمهمة هذه وحتى لا تكذب
المواطن عندي سؤال
المفوض (السفير ) تفضل
المواطن
السؤال الذي حيرني هو انك ممثل الوطن في هذه الدولة والراعي لمصالحها والمهتم بشئونها والمؤتمن على قضاياها , ومع ذلك تشترك بالتحقيق مع من هم أعدائها والذي يلجأ إلى هنا تضعوه في قائمة الخيانة العظمى للوطن .
فهل تقول لي ما هي مهمتك أنت ؟
السفير بما أنك قدمت إلى هنا مضطراً من سوء المعاملة وحرمانك من حقوق المواطنة , ومن الظلم الذي تعانيه , ومن القهر والتهديد لك بالموت المحقق بعد عذاب طويل , فإن الذي سوف ترويه عن مأساتك ومآسي شعبك , سيكون شهادة حسن سلوك لنا في أننا قد فعلنا المناط بنا في مقابل بقائنا على سدة الحكم والتحكم بكم وإذلالكم وتخريب النفوس والبلاد والعباد
ولولا ذلك كان من المستحيل أن تجدني بمنصب ممثل الوطن في هذه البلاد
فالسعادة الحقيقية يامواطن بدون اسم هي:
المنصب والمال
وأنت من الآن فصاعداً ستنسى من تكون وتفقد الذاكرة ويكون لك اسم جديد ووطن جديد وعنوان جديد
فهل تتابع المقابلة ؟
صمت قليلاً واحتار بين أمرين
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
أو تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا فقلت أعبد الله ذلكم الرد