أنين الصمت

عبد القادر كعبان

[email protected]

أحسست انني أشبه بحمامة تائهة في فضاء لا نهائي لا تعرف أين تستقر. كثيرا ما كنت أتهرب من سؤال بات لا يفارق ذهني و كأنه ظلي.. هل ما زلت سيدة أسرتك؟.. كنت أرفض الاجابة.. لا بل اتهرب.. لكن كانت تفضحني دموع حارقة تتدفق من عيني.

صار زوجي يتجاهلني. يحدثني من دون ان ينظر الى وجهي. بالكاد يحاورني كما كنا سابقا. كان يغلق على نفسه ليغرق في مطالعة اليوميات الفارغة مستأنسا بتدخين تلك السيجارة اللعينة.

حاولت مرارا التقرب منه و سؤاله عن أحوال الناس و ما يدور في العالم من أحداث، فكان يضحك بسخرية و يتسائل من أين لامرأة أمية مثلي هذا الفضول؟

و هي لا تجيد سوى الطبخ والغسيل. كنت أمضي بصمت قاتل متجاهلة سهام التجريح المنغرسة كسكين في قلبي. حينها تذكرت تلك الايام الجميلة التي قضيناها معا.. كنت أنهمك في كي قمصانه و ترتيبها و هو يقرأ الجريدة و يقول تلك الكلمة التي غابت و بالكاد صار يقولها:

-عزيزتي أتعلمين..

بل صرت أتلقى تحية الصباح الطالعة من فمه كصفعة تهوي على خدي لتذكرني بأنني ما عدت أنفع في هذا الزمن، و غدت ”منتهية الصلاحية“، و ما عادت  شخصيتي بتركيبتها  و ثقافتها المتوارثة من جيل الجدات تنفع لهذا الزمن.

احسست لحظتها أنني لا أحيا حياة كما أرغب، حياة حقيقية مبنية على التأقلم مع من نحب و نعاشر. 

حاولت التستر باللامبالاة، لكن فاجأتني ابنتي الوحيدة المتزوجة و هي تطلب مني أن أتفادى زيارتها بشكل مفاجئ. بل تفضل ان أتصل بها قبل الموعد بأيام.. ضحكت و هي تقول:

-كلميني عبر الموبايل مامي..

عندها أدركت أن الحياة الحقيقية صارت أشبه بنسيج بات يتمزق يوما بعد يوما.