جدار الصمت

عبد القادر كعبان

[email protected]

انتابني شعور غريب بالخوف منذ اللحظة الاولى التي وطئت فيها قدماي مبنى الشركة. لقد تلقيت استدعاء لاجراء مقابلة من أجل الوظيفة التي باتت حلما يراودني منذ حصولي على الشهادة الجامعية. فجأة خطر لي أن أتوقف.. فتوقفت.. دار في رأسي سؤال واستقر:

-هل ستكون الوظيفة من نصيبي، أيمكن..؟

بسملت ثم دخلت. فجأة وجدت نفسي أمامه بمكتبه الفخم المكيف. رسم ابتسامة عريضة على شفتيه ثم سألني:

-ما هو تخصصك يا بني؟

اجبته بكل ثقة:

-متحصل على شهادة ليسانس في الحقوق.

بقي ساكنا صامتا فأتممت قائلا:

-و ما مجيئي لمقابلة سيادتكم الا لاستعدادي القوي على العمل و افادة الشركة.

قاطعني بسؤاله:

-هل تملك الخبرة الكافية لذلك.

بصدق قلت:

-لا يا سيدي..

فأطلق ضحكة جعلتني أجفل و أرتعش.. و بجدية قال لي و الابتسامة التي توجت شفتيه منذ رأيته اختفت.. زالت.. بل اندثرت و حل مكانها الجدب و البوار:

- بني.. يبدو أنك شاب طيب همه الخبزة أليس كذلك؟

لحظتها لم أجد غير جدار الصمت أضعه بيني وبينه.

ثم أضاف مبتسما:

-أتفهم وضعك، لذلك ستجد مني ومن كل عمال الشركة كل الود و المساعدة.. انما بقيت لى كلمة أريدك أن تنتبه اليها.

بارتعاش قلت:

-ماهي يا سيدي؟

فأجاب و كله ثقة بنفسه:

-كل الخبز يابني وكفى..

ثم هم بفتح علبة السجائر. سلمني سيجارة فامتنعت قائلا:

-لا أدخن ياسيدي.

فجأة دخلت السكريتيرة الشقراء تخطو نحوي بكعبها العالي ثم وقفت.. التفت اليها المدير العام بنظرة تحمل معاني خفية و كأنه يطلب موافقتها.. أمعنت النظر بوجهي ثم أجابت بابتسامة حمل وديع:

-سيماهم في وجوههم ياسيدي، و أظنه المناسب لتسلم الوظيفة.

أحسست لحظتها أنني آلة تخلو من أي احساس تتحرك كما يريدها الآخرون.