أردتَ أن تختار.. وأن تكون أنت

أردتَ أن تختار.. وأن تكون أنت!

بسام الهلسه

[email protected]

*هُوَ ذا أنتما تلتقيان, تتقابلان معاً كما لو كنتما على موعدٍ. يغمر أحدكما الآخر بنظرات حانية ويبتسم له بِوِدٍّ عميق.

يا الله!

كم فرقتكما الإنشغالاتُ اليومية الكثيرة وكم باعدت بينكما, وها أنتما أخيراً تلتقيان وتتواصلان باُلفةٍ كأن لم تفترقا.

تضعان أيديكما على كتِفَي بعضيكما, تتحدثان معاً, تتمشيان معاً, تجلسان معاً, تفكران معاً, وتسترخيان معاً أيضاً.

لا شيء يقطع تواصلكما سوى لحظات عابرة قليلة: كمكالمةٍ هاتفية مثلا, أو محادثة مع العائلة, أو مجيء زائر طارىء.

ووقت النوم, تتمددان على فراش واحد وتنهمكان في مناجاةٍ طويلة.

*           *            *

هو ذا أنتما تلتقيان ولن تفرقكما بعد اليوم مشاغلُ الحياة اليومية الجارفة كما من قبل.

ستتعاهدان, وتقسمان على أن تظلا معاً حتى الساعة التي تدعيان فيها الى الرحيل الأخير.

ومن الآن فصاعداً, لن يترك أحدكما صاحبه ولن يسلمه للنسيان.

*           *            *

هو ذا أنتَ وأنتَ تلتقيان وتطول اللقاءات..

لن تتعجلا هذه المرة, فلديكما مكاشفات ينبغي القيام بها, ولديكما مهمات يجب إنجازها, وتأملات فيما هو جارٍ وما هو آتْ.

وثمة لومٌ متراكمٌ, وعتابٌ مؤجَّل. وثمة نقدٌ ومراجعات..

فليس من شِيَمِكما أن تغضَّا النظر وتتجاوزا عمَّا يجب التوقف عنده. فهل تصِحُّ موآخذة الآخرين ونقدهم قبل محاسبة ونقد الذات؟

هذا لا يكون..

وها أنتما تلتقيان ــ أنت وأنت ــ ولديكما ما تحتاجانه من وقت وعزيمة لتدققا في تفاصيل الزمن الذي أمضيتماه ــ وستمضيانه ــ كشريكين في الإرثِ والقَدَر.

ومن يدري؟ فربما لا تتاح الفرصة ثانية, فللدهر نزواته, والغَدُ يتراءى قريباً يوشك أن يطرق الباب, مثلما هو بعيد خفيٌّ في ضمير الغيب.

آنَ لكما أن توقفا هذه المسيرة الآلية في الحياة, لتطرحا الاسئلة الوجودية الضرورية التي لا بدَّ منها لتحديد الموقع والإتجاه, فما مِن فائضِ عُمْرٍ لتبديده. والحاجة الى الإنسجام وحَلِّ الإضطراب: بين ضرورات العيش وإكراهاتها, ورغائب الروح وفضاءاتها, لم تعد قابلة للتأجيل لموعدٍ آخر قد يأتي وقد لا يأتي.

وأنتما تعرفان جيداً أن الناس يلتقون ببعضهم كثيراً, ويتخاطبون مع بعضهم كثيراً, لكنهم قليلاً ما يلتقون بأنفسهم. وإذا ما التقوا, فإنما بشكل عاجل لا يتيح مجالاً لتدقيق أو مُساءلة أو اختيار.. فيعيشون على هذه الارض عابرين, ويمضون عنها عابرين..

*           *            *

وأنت؟ أعْنِيكَ أنت:

ــ هل كان الحضور العابر قرارك؟

لم يكن هذا مَسِيرك يوماً, ولا تريد له أن يكون مصيرك.

كنت دائماً ضدَّ اعتياد الأشياء وقبولها كمعطى ناجز.

وكما تذكُرُ, رافقتك الإرادة, والأسئلة, منذ أن وَعَيْت.

أردتَ أن تختارَ.. وأن تكون أنت.

*           *            *

شغلتكَ الرِّحلةُ..  

وها أنت تصِلُ, وتلتقي: أنت وأنت.

ــ يا الله!

كم كنت توَّاقاً لهذا اللقاء!