الموبايل
يوسف هداي الشمري
انفرد بها . أو لعلها هي التي انفردت به ، بعد أن غلقت الأبواب . لم تقل هيت لك . فقد اعتراها صمت جليل . أضفي عليها السكون قدسية ورهبة ، وكأنها تؤدي طقسا أزليا قبيل الخوض في التجربة . لم يهجم عليها كما توقعت . ولم يبتدرها بقبلة حرى . جلس قربها على السرير . طفق يحدثها بهدوء ذكرها بكلماته اللاسعة التي طالما نقرت سمعها عبر الهاتف المحمول في ليال سابقة .
غرفة نومها صغيرة نسبيا . سقطت عيناها على صورة زوجها المؤطرة التي تتوسط الحائط المطلي بإتقان . ابتسامته تغطي نصف وجهه وهو يرتدي حلة العرسان . وقد احتواها بذراعه . ابتسامتها في الصورة اقل . لعله الخجل حينها . كم كان دمثا ليلة الدخلة . سرعان ما زاولها الخوف لمجرد أن جلس قربها . آ آ آ آ ه . نفس المكان الذي يحتله . . . . .
وخزة عنيفة تهزها من الأعماق . خفقات قلبها تترى بعد أن تذكرت زوجها . هل هي صحوة الضمير أم الخوف من مجيئه فجأة . لن يؤوب إلا بعد الظهيرة . لا زال هذا الشيطان بقربها ، يوسوس لها بترنيماته السحرية . لأول مرة تجتمع أو بالأحرى تختلي به . يرن الموبايل . تقوم من مكانها لترى من المتصل . توليه ظهرها تاركة شعرها الفاحم ينساب من خلفها كأنه ليل طويل . تسمعه يدندن :
_ سنين ألم بشعرك وبعده طويل ، ألله يا شع . . . .
ابن الكلب . . من أين له كل هذه اللباقة . لسانه يقطر شهدا . كيف دهم عليها حياتها ؟ . ليتها لم تره ولم تعرفه . سحرها بعذوبة أشعاره . غمرها بدفء مشاعره . سافر بها إلى مديات لا تصلها إلا ملكات الجان . كانت معه على التلفون الخليوي صباحا ومساء . وكأنها مليكة في قصر من قصور ألف ليلة وليلة . تحيط بها الحدائق والجنان ، وتحلق من فوقها الحمائم و العصافير . أي عالم سحري ذاك الذي عاشته معه . . .
ردت على أختها . أغلقت الجهاز . . الهاتف المحمول . . الخليوي . . الموبايل . تعددت الأسماء والموت واحد . كان السبب في كل ما حصل وما سوف يحصل . قدمه لها زوجها كهدية بمناسبة العيد الأول لزواجهما . كم كانت فرحتها به كبيرة . انعكست على وجهه إذ يراها تصرخ جذلة بتلك الهدية . لم يكن يعلم أنه أهداها السكين الذي قيض لها أن تطعنه به من الخلف .
ذات ليلة مشؤومة . كانت لوحدها . أمسكته . لم تعرف كيف انبرت أناملها تضغط على الأرقام واحدا تلو الآخر . لعلها يد القدر حينها هي التي اختارت الرقم . ما إن سمعت صوته يأتي عبر السماعة حتى أغلقته في وجل . هنيهة ورن جهازها . نفس الرقم الذي طلبته بشكل عشوائي قبل قليل . أية حماقة ارتكبتها ؟ . هل تفتح الخط ؟ . لتتركه يرن حتى يمل . يرن ثانية وثالثة ورابعة وخام. . . . !
كيف جرت الأمور بعدها ؟ . . . لا تدري . كل الذي تعرفه أن المحادثة استمرت بينهما لأكثر من ساعة ، حتى انقطع الاتصال لوحدة . في اليوم التالي ، اتصل بها مجددا . نهرته هذه المرة . أفهمته بأنها امرأة متزوجة ولن تنحدر معه في علاقة وضيعة . ثم أغلقت الجهاز . ولكنه أيضا اتصل . لم يجد منها سوى الرفض . ألح في الاتصال . رسائله تدك قلبها دكا . ضعفت . تراخت . استسلمت . ثم ردت عليه . . .
لم يلمسها لحد . . . . ارتعدت برعب حالما هبطت يده على كتفها . نحته عنها بعنف . هتفت بوجهه :
_ أبعد إيدك عني .
تراجع خطوتين . رمقته بحدة . تناقلت بنظراتها بينه وبين صورة زوجها . . . وبين الموبايل . من المسؤول عن هذه المهزلة ؟ . وبلحظة مجنونة . أمسكت الموبايل بغلظة ، ثم هوت به على صفحة الحائط ، لتتناثر أجزاؤه أشلاء مبعثرة على الأرض .