الإخطبوط

حسين راتب أبو نبعة

[email protected]

جامعة الملك عبد العزيز

كلية المعلمين بمحافظة جدة

كنا ثلاثة أطفال في احد أزقة القرية و كنت قائدهم  لأنني أكبرهم سنا حيث بلغت التاسعة بينما كان الآخران في الثامنة .

كانت قلوبنا تخفق خوفا كلما مر أمامنا رجل يسمى الإخطبوط فقد كان يظهر فجأة كالقدر بين أشجار الصبار . ما كان لأحد أن يوجه اللوم لنا  فقد كان من  هم اكبر منا سنا يخشونه و يتجنبون الاحتكاك به , سألت ذات يوم جدي لماذا يسمونه الإخطبوط ؟ و ما اسمه الحقيقي ؟ تلعثم بالإجابة "لقد نسينا اسمه الحقيقي و أصبح الإخطبوط اسم يتشبث به فلا يجد له منه مهربا و يبدو انه أحب ذلك "

بدأت الحكاية عندما قال لنا أحد البحارة بأنه رأى إخطبوطا بالأعماق قادرا على نفخ رأسه ليبدو أكبر من حجمه الحقيقي حتى يخيف أعداءه ، حجم رأسه يكبر حتى يصبح بحجم رأس (فراس) , ضحك الجميع و منذ ذلك الحين أطلق القرويين على فراس اسم الإخطبوط دون أن يعرف هو السبب الرئيسي للتسمية .

أعطت التسمية للإخطبوط قوة رهيبة استغلها أيما استغلال فأصبح يحشر أنفه فيما لا يعنيه من أمور الناس في بلدته التي تبعد عن البحر كيلومترين ، و كان يزعج الصيادين خاصة عندما كان يحاول أن يطبق أسلوب الإتاوات فيأخذ بعض ما اصطادوه مجانا ثم يدير ظهره دون أن يسأل عن الثمن حتى لو كان رمزيا . تردد بعض الصيادين عن مواجهته . كان قادرا على تقليد أصوات الحيوانات فيفاجئ المارة بصوته الأجش و يتدافعون هربا . تقمص الدور و ساعده في ذلك بعض الجبناء إلى أن جاء اليوم المشهود كان فيه الإخطبوط برأسه الكبير يتبختر في ساحة القرية الرئيسية المسماة ساحة الصيادين  ، وجه إليه احدهم لكمة عنيفة و مفاجئة أفقدته هيبته و بعض أسنانه , لم يقاوم من هول الصدمة و أخذ يترنح أمام الناس الذين تجمعوا من كل الأزقة فتوجه الإخطبوط نحو بيته و اختفى وسط الزحام .

مر في الأسبوع التالي أمام احد المقاهي و كان مكسور الجناح مطأطئ الرأس , ناداه أحد معارفه القدامى......يا فراس تفضل إنني ادعوك لفنجان قهوة رغم رأسك الكبير .