الفزاعة و الغراب
حسين راتب أبو نبعة
جامعة الملك عبد العزيز
كلية المعلمين بمحافظة جدة
في حقل يمتد بين خاصرتي جبلين انتصبت
فزاعة بعنفوان ، كانت مزهوة بالأشرطة الملونة ، تمد ذراعيها في فضاء الحقل وفوق
الرأس الصغير انتصب طربوش احمر اللون بلون التحدي ، أما الساقان الطويلان فقد صنعا
من فرعي شجرة تيبست الحياة في عروقهما .
المنظر من بعيد كان يزرع الذعر في قلوب
العصافير فتبتعد خائفة بعد أن تنال قضمة صغيرة من حبة تين أنضجتها حرارة تموز .
ذات ظهيرة ظهر سرب من غربان سود قيل
أنها من غربان الاورق متوسطة الحجم رمادية اللون سوداء فيها لمعة ارجوانية أصابه
الجوع بعد أن استوطن أرضا غير ذي زرع ...جرداء إلا من بعض الحشائش الشوكية .
اظهر كبير الغربان - وكان طوله يقارب
نصف المتر- قدرة كبيرة على اقتناص الفرص واستطلاع الأماكن الخصبة . بعد جولة أو
جولتين حول الحقل المثقل بثمار شتى حط رحاله على الطربوش الأحمر ...كان الجو باردا
قليلا في المنطقة الجديدة ...حدق في الجوار فلم يلحظ صيادين أو أفخاخا فدخلت
السكينة قلبه ، وما هي إلا ثوان حتى أنشب مخالبه في الطربوش ثم اصدر اصواتا ذات
ترددات عالية استجاب لها السرب في الحال وانتشرت في الحقل عشرات من الغربان ذات
السيقان القوية و المناقير الحادة ، فانقضت على أشجار الفاكهة فعاثت فيها فسادا ولم
ينج من هذا البلاء حتى ديدان الحقل .
بعد أن فرغ كبير الغربان من مهمته
ووصل حد الارتواء عاد من جديد للطربوش الأحمر ...شعر بالدفء بعد الوجبة اللذيذة ،
وكان منتشيا وهو يرى بقية قومه تتراقص فرحا بين أغصان الحقل .
وصل الدفء الرأس الصغير الذي كان يعتمر
الطربوش ودبت الحياة في عروق وسيقان الفزاعة المتيبسة ، وتحركت شفتان متعبتان عصفت
بهما الريح .كانت عودة الروح بداية لحوار بين خصمين.
-
لقد أبطلنا سحرك
أيتها الفزاعة ، ولميعد تهمنا انتصابتك البلهاء وهامتك الخرقاء ، قال كبير الغربان
بشيء من السخرية .
-
ولكن ليس كل الطير
بمثل ذكائك أيها الغراب الاورق ، ثمة عشرات العصافير تبتعد بمجرد هبة ريح تحرك
ذراعي أو راسي .
-
انتهى عصرك الذهبي و
ستبقين منذ اليوم أضحوكة يتندر بها أطفال الحي
-
أنا عاشقة الريح و
صديقة النسائم و لا يهمني هذا النعيق !
أصبحت الغربان تقيم في الحقل بشكل دائم ، و رأت في الفزاعة مؤنسا في الليالي
الموحشة ومكانا لقضاء الحاجة . مع مرور الأيام تيبست السيقان من جديد وسقط طربوش
فقد لونه وتناثرت ذراعان فقدت توازنها وسقط رهان الفزاعة على صحبة النسائم .