الاعتذار المستحيل

سهام عبد الرزاق

[email protected]

جالت عينيا زوايا البيت فلم أجدك فأخذتني الذكريات من تلابيبي لتقضني وتقض بي كل ذكراك...ماذا أقول لك... أأعتذر بعد أن تركت البيت وقررت أن لا تعود، ووضعت نقطة النهاية التي أعلنت القرار الأخير... ! أأعتذر بعد أن صار الاعتذار ضربا من اللاجدوى ... !أأعتذر أم أكتم الاعتذار بداخلي ليحرقني ويأتي على ما تبقاني... !

فكرت مليا بما حدث بيننا يومها، كان من الممكن أن أتنازل عن كبريائي الزائف وأحد من أنانيتي اللامتناهية وأكسر ذلك الكبر الذي افسد علينا حياتنا طيلة الأربع سنوات التي حاولت فيها أن تكون عامر هذا البيت وعملت أنا على أن أحرمك السعادة وأحرم نفسي أن أكون سعيدة..

.ورغم أخطائك كل أخطائك إلا أنك كنت الأقل رصيدا في تحطيم صرح حياتنا، وكنت أنا التي تملك الرصيد الأوفر من أسهم الهدم اللامسؤول وعدم التفكيرفي مصير هذا البيت الذي بدأنا بناؤه بخطوات ثابتة، غير أن الأسباب الكثيرة والمختلفة واللامبررة جعلتنا نسير به نحو الهاوية ونرسم له ولنا طريق الضياع..

أصدقك القول والآن فقط أصدقك أنا المخطأة أعترف، أنا التي أحمل القدر الأكبر من مسؤولية توسيع فجوة الفراق بيننا..

 .أصدقك القول والآن فقط أصدقك أنا التي لم تمنحك فرصة إرضائي حين اعتذرت لي آخر مرة...أنا التي وقفت حاجزا بيننا وبين سعادتنا...غير أنني قررت التوبة وأعلنت إغلاق باب العناد، ورفعت راية الحب والمودة فهلا قبلتها وقبلتني؟؟؟

هلا رجعت عن قرارك الأخير في تركك البيت وهجران زواياه وزوايانا...هلا رجعت وزينت هذا البيت وملأت بأنفاسك جواه وجوانا...هلا رجعت لنبدأ من جديد بكل حب ورضا ومسؤولية...

وانتظرتك طويلا...انتظرتك طيلة تلك الليلة التي مدت حبالها لتستحيل عمرا بأسره بكل ما يحمله العمر من أناة وآهات وذكريات...انتظرتك وأنا أتمرن على الابتسامة الأكثر تمثيلا لاعتذاري المرتقب والصادق...انتظرتك وأنا ألملم الكلمات الأكثر تعبيرا على أسفي...انتظرتك وأنا أرسم لوجهك الملامح التي ستتلقاني بها حين أعلن توبتي.

ومرت تلك الليلة بثقلها الذي قطع أنفاسي وترقبت خيوط الشمس الأولى تطل على الدنيا ومع كل خيط سأتمنى من الله عز وجل أن يوفقني لإرضائك. وقمت رغم تثاقل خطواتي أكمل أماني ودعواتي مع صلاة الفجر...

وجاء الصباح بأشعة شمسه التي تسربت من خلال النافذة التي نسيت إغلاقها تلك الليلة.

ودق الباب... وهرولت مسارعة لأفتحه وأفتح معك صفحة جديدة...صفحة ملؤها الحب والعطف والتقدير والاحترام...صفحة أمحو منها ملامحي الغاضبة على الدوام... صفحة أكتب عليها بأنني أتمنى رضاك وأن قلبي مفتوح ليضم الأيام المقبلة بكل صدق ومودة واحترام يا والد ابنتي وعماد بيتي ودفئ أيامي...

وفتحت الباب ولم أكن أتخيل ولو للحظة أنني سأستلم نعيك وأجد خبر وفاتك مكتوب على الصفحة الأخيرة... !

اختزلت صفحاتي، بل مزقتها وذهبت دون وداعي.. !

لماذا لم تنتظر لأصحح معك أخطائي...؟

لماذا تنتظر لأقول لك آسفة...؟

لماذا لم تنتظر لأسعدك و أجعل أيامك المقبلة أكثر إشراقا...؟

لماذا لم تمنحن الفرصة لأرسم لك ملامح سعيدة وأوزعها بين حناياك وأغير قسمات وجهك العابس الذي كان اقرب إلى الحزن واللاراحة...

بل لماذا اتخذت قرارك الأخير وفصلت اسمي عن اسمك...؟ !

لماذا لم تترك حبل وصالنا ممتدا وإن انقطع لتمنحني شرف أن أكون أرملتك بدل طليقتك...

وخزت السهم بقلبي ورحلت دون نزعه وسفكت دمه لتبقيه ينزف ما تبقى له من العمر الحزين. جعلتني أدفع ضريبة أخطائي ذكريات قاتلة تحيل أيامي القادمة كابوسا ينهش عمري ويحرمني طعم الراحة والنوم الهانئ.انتقلت إلى حياتك الأخرى تحمل الجرح الدامي ليبقى دليلا على إدانتي فكيف

 الخلاص؟ !وكيف السبيل إلى مداواته أو حتى مداراته... !

أيكفي أن أرفع يدي إلى بارئ السماء ليعفو عني ويغفر لي ذنب عدم إرضائك؟

أم يكفي أن أبسط يداي وأحتضن ابنتنا وأعوضها حناني وحنانك؟

أم يكفي أن أقول: رحمك الله ورحمني معك فرحمته ملاذي ورجائي الوحيدين.