أفرَاح تَستَنزف الدماء
نوره نفافعه – الناصرة
اختنقت الأفراح وسُلب الأمان وزُرعَ الحِرمان وبُتِرَ الاطمئنان في بِلاد كُتِبَ عَليها نَزف الدِماء وزف الأرواح في ديار يُضِئ ظَلامُها الفوسفور الأبيض ، مَغروس في أراضيها دَبابات الدَمار،وتُحَلق في سَماءُها طَيارات الانتقام من اللذين يَعتَقدونَ أنفسهم أسياد الكون وعلى العَرب خِدمَتَهم ، من عُشاق الدِماء اللذين يَشعرون بالراحة النفسية برؤية عدد المُعانون قد إزداد .
هُنالكَ في فَلسطين أرض اللبن والعَسل التي استحالت إلي أرض الدم والكَفن ، التي بدلاً أن يَغيثوها يَذبَحوها ، وبدل إن يَرسوا لها الطَحين والسُكر يَطحَنوها بأقدم العَسكر،وهي تَئن تأتي "السي إن إن" ، مَشاهد كل يَوم تَزداد ويَكثر بها معاني العذاب .
في ذَاتَ يوم اعتقد أبناء تلك الأرض المُقدَسة بِأنَ الجو صافي و الوَقت مُلائم لإحياء حَفلات الفَرح من جَديد فها هو أمجد حَفيد الشَهيد ، وأخ الأسير قد مر علي خطبته من فداء ما يُقارب الخُمس سَنوات ،ولم تتم حفله زَفَافهم بِسَب ما تَذَوقوا من عَناء .
اجتَمعَ الأهل الأقارب ، المَعارف والجيران ويدا بيد أخذوا مُستَلزَمات الحَفل يحضروا ، هذه تَصنع الحلوى ، وذلك يُزَين المَكان ، وهَؤلاء يَطهون الطعام ، وتِلكَ تَرقُص وأخرى تُصَفق ، وجَميعَهم مَسرورون ، ومَلامح الفَرح على وجوههم يرسمون ، فهم صَامدون ، والسَعادة من أجواء الحرب ،والدمار يَخطفون .فقد أصبحَ شيئاً عادي ومشروع تحت قانون الكلام ممنوع والإعراض شيئاً غير مَسموع ، والصمت العربي واضح وملحوظ .
*** *** ***
قَدِمَ العَروسين وهُما يَرتَديان ثياب الفرح ، أمجد بالبدله السوداء ، وفداء بالفُستان الأبيض . اجتَمَعوا على أنغام الفلكلور الفَلَسطيني وجميعهم يضحكون وبالابتسامة يحيون ، ولكن ما يخبئ لهم العدو لا يعلمون فجاه وقبل زف العروسين بِبضع ثواني وإذا بِحَشَرات بَشَريه تَرتَدي ثياب عَسكَريه تَقتَحم المَكان وتًُدمر ما يَحتَضن من جَمال، ويَلقي القَبض على أمجد وجَميع من وَقَعَ بين مَخَالبهم تَحتَ شِعار مُخَرب وإرهابي . وفي لَحَظات بَسمة الشِفاه استحالت لدمعه بالعين ،وعزف النايات أصبح أنين الآهات ،عروسا اعُتقلَ عَريسها ، وطن تَنازل عنهُ زَعامة الأمم ، شَعب دُفع ثَمن دَمهُ مُسبَقاً. وفي تلك الأثناء سالت فداء نَفسها:- ماذا أفعل؟ و كيف أدافع عنه و أنا لا يُمكنني الدِفاع عن نَفسي ؟ كَيف سأهرب من كلام الناس حين يقولوا أن لاحظ لي و وجهي الشؤم بِعَينه ؟يا الله ماذا افعل فَقَلبي اضعف من أن يَحتَمل بُعد الحَبيب . وإذ بوالده العريس، بأم امجد تَصرُخ وتَقول لن يتوقف الفرح هيا لِنرقص ولنُغنى يا عَروس لا تَهتَمي سَيَعود ،وسَيجدك بانتظار في بيتكما ،تَعيشينَ بيننا ومعنا حتى يَعود حَبيبنا ، وأخذت تَبكي ثم قالت:-أعوام مرت ونحن نحلم بهذا اليوم ، وبلحظات استحال إلى هم ، قَطَعوا الماء والكهرباء ، هدموا البيوت و حَرقوا الغابات،هَدروا الدِماء، و داسوا بأقدامهم النتنه جثث الشهداء، بأيديهم أرواحنا، وبِكَلمه منهم تُخنق أفراحنا ، وتنطفئ بَهجة ديارنا ، والرؤساء لا احد منهم يسال عنا ، وقمة طارئة يعقدون والنتيجة وعودهم تذوب كالزبده فأصواتهم تُخرس ، وقراراتهم تُدفن . في الماضي قالوا لأهالينا اتركوا دياركم وأرضكم ، فراشكم وطنكم ،ونحن نعدكم أن ترجعوا ومن بساطتهم أو ربما ضَعفهم كانوا لهم مُطيعين لأنهم صدقوا أن للأرنب أنياب، فقد توهموا أنهم سَمِعوه يَزأر ولهم سيثأر وقدم مر أكثر من نِصف قَرن وليس هُنالك شيء تَغير فما زالت دماءنا تنزف ،ووطنا يَصرخ ، وليس هنالك من مُنقذ فيا ليت أعلم كم دُفع لهم ثمن لإلباس فلسطين الكفن ، حتى أصبحوا مداس تحت أقدام من يعتقدون أنفسهم أسياد علي الناس. وقد صرخ الجميع لا ...لا للظلم ...لا...لا لقتل الأبرياء ووقفوا جميعهم ومن بينهم فداء بثوبها الأبيض مُتظاهرين ومعارضين على ما تذوقوا من ذل عبر ما مر من سنين، بسبب وجود المُتخاذلين ،وعلى اعتقال أمجد ومن مَعهُ رافضين وبِعودتهم يطالبون .. ولكن خطواتهم لم تكتمل فقد نزل القصف عليهم مثل زَخ المطر لأنهم إرهابيون بحقوقهم يُطالبون وإلى استرداد كرامتهم ، و حريه شعبهم يَسعون وقد استشهد من استشهد ، ونقل إلى المشفي من أصيب بجراح خطيرة أو طفيفة ونجا من فر هارباً وإما فداء فقد نُقلت إلى المَشفى بعد أن احترقت بشظايا القذيفة مما أدى لتشوه وجهها الجميل ، وأجزاء من جسدها . وحين خروجها علمت أن أهل امجد لم يبقي منهم احد وان أخوها الوحيد قد إلتف بالكفن .وهذا بحد ذاته كان كفيلاً حتى حقد قلبها يزيد فقد أصبح هدفها الانتقام ثم الانتقام .
أنظمت فداء إلى احد الفصائل أو المُنظمات الفدائية التي تثأر للضحية ، وشاركت بالعديد من العمليات التي كانت تداوي قلبها المَجروح ولكن حينما كانت تَنظر في المِرأة وتُشاهد وجهها المُشوه كان يولد بجوار جرحها ألف جُرح حتى جاء يوم وبُشرت بهِ انه حل لها شرف الشَهادة حَيث أن اسمها الفائز بالقرعة التي يُرشح من خلالها أسم من سيقوم بالعملية الاستشهادية أو الإرهابية حسب المسميات الصُهيونية.
ملامحها الجميلة بَعثرتها التشوهات التي ملأت وجهها بعد أن مَحت الصفاء الذي كان يُنيرهُ، وهويتها ذات بيانات مَخفيه ، ووطنها أصبح القضية، والقادة سُجاده حَمراء تََكسوا خَشبة المسرح خلال عرض المسرحية الدموية ، والعدو سكينه حادة من كلى الطرفين، وهي بعد أن قامت بتنفيذ العملية أصبحت عنواناً الفتاه الإرهابية تُفجر المُعسكرات الأمنية الإسرائيلية.