ميكوكو
حسين راتب أبو نبعة
في قرية مجاورة لمدينة (موانزا ) شمال تنزانيا عاش رجل طموح يتجاوز مدى تفكيره حدود قبيلة (الماساي) و معتقداتها و طقوسها .كان يعرف انه ليس كعامة الناس الذين يعيشون عند أقدام جبل (دينو لانكاي) و انه عندما يموت لن يلق جسده في العراء جثة تأكلها الوحوش , فهو من طبقة اجتماعية مرموقة تطمح للارتقاء في السلم الاجتماعي . أحبته الأجيال الصاعدة فقد كان يحافظ على بعض شكليات الطقوس المتجذرة في أعماق السكان البدائيين ، فعندما تزوج انطلق للغابة يحمل سكينا حادا ورمحا و جعبة تحمل سهاما مسمومة لاصطياد الأسد . نجح في مهمته وقدمه مهرا لعروسه و أقام حفلة تكلمت عنها القبيلة المرقطة .
فقد آكل المدعوون حتى التخمة من لحم الأبقار التي قدمها لهم بعد أن أطلقوا رماحا على رقابها ثم شربوا دماءها كما تقضي التقاليد ثم سلخوا جلدها و قطعوها ثم شووها على النار المنبعثة من الأغصان في جو احتفالي بهيج كانوا يترقبونه لتناول اللحوم المشوية اللذيذة.
قدم نيابة عن جماعته قرابين للإله (إنكاري) قرب فوهة الجبل المقدس ...كان طامعا أن ينصب ملكا على القبيلة سيما و انه بدد جزءا كبيرا من ثروته لإضفاء هالة قدسية عليه .ازدادوا تقربا به . كان يعلم أن الناس تعبد ملوكهم عندما يموتون غير أن (ميكوكو) طمع في ذلك و هو حي خاصة و انه أغرقهم بالهدايا و الهبات .....وعدهم بأنه عندما يتسلم عرش القبيلة و يتوجونه فسيعمل على تخليصهم من ضنك العيش ... ألقى خطبة عصماء أثرت في نفوسهم فتقدم محاربو القبيلة بشعورهم الطويلة يلبسون أقنعتهم و يزينون رؤؤسهم بريش النعام و رماحهم المشرعة يهتفون له ويعلنونه ملكا .
استقر مقامه في مبنى أقيم خصيصا من أجود أنواع الخشب المهاغوني ,عشرات من أبناء القبيلة تتدفق للمشاركة في شرف بناء مسكن الزعيم المقدس ، استمرت عطاياه و مكارمه في التدفق لأسابيع قليلة حيث منح لكل واحد حذاءً مصنوعاً من جلد البقر و منح الجواميس للمعوزين .
بعد شهرين ,مرت عليه فترة عصيبة حيث بدأت تنضب مخزوناته و تقلصت أعداد جواميسه
- لا بد لي من التصرف ....همس الزعيم المقدس في أذن مقربيه
شوهد العشرات من رجالات القبيلة المرقطة "الماساي " يتقدمون صوب الزعيم يجرون وراءهم قرابين من أنقى سلالات الجواميس ، كان الزعيم قد اعد الساحة الخلفية لمنزله كحظيرة . خطب ممثلهم و هو محارب مقدام صبغ وجهه باللون الأحمر "هذا بعض ما لدينا كي تدوم البركة و تهب أنت نيابة عنا دماءها عند أقدام "إنكاري " عند فوهة البركان المقدس !
رفع ميكوكو رأسه بخشوع و أشعل بعض أعواد البخور و تمتم و أشار بيده و أومأ إليهم فهموا منه انه تقبل قرابينهم فطابت أنفسهم و عادوا إلى أطراف الغابة.
مدرس لغة بكلية التربية – جامعة الملك عبدالعزيز