قاتل الأفاعي
حسين راتب أبو نبعة
جامعة الملك عبد العزيز
كلية المعلمين بمحافظة جدة
كان واسع المخيلة و له قدرة كبيرة على توليد الصور الجديدة التي طالما كانت تثير
جدلاً واسعاً بين سامعيه فينقسمون إلى فريقين أحدهما معجب وآخر مستنكر .
قبيل المغيب تمشى في حديقة المنزل الخلفية ، تفقد بعض الأشجار تقليماً و رياً . و
في غمرة انهماكه في عمل الحديقة المحبب إليه سمع فحيحاً غريباً. ارتج جسده كمن
أصابته حالة تشنج ثم أمسك بقضيب حديدي. استجمع بعض قوته و شجاعته التي كان يروج لها
في قصصه ،و بدأ يبحث عن مصدر الصوت ، كان مشتتاً تتنازعه قوى خفية تدعوه للإقدام و
خوض غمار معركة غير متكافئة و قوى أخرى تدعوه إلى التراجع . كان متحفزاً لفعل شيء
ما ، وأخيراً لمحت عيناه الصغيرتان طرف ذيل الأفعى و كان قد انساب داخل أحد السلاسل
الحجرية المنتشرة في الحديقة ، حاول الإمساك بالذيل لكن دون جدوى.
-
لا بد من حيلة اجبرها فيه على الخروج- همس قاتل الأفاعي المنتظر!
وبعد لحظات من صراع الأقدام و الإحجام ، انتقل إلى مسافة تبعد مترين ثم أشعل ناراً
في بعض الحشائش لعل دخانها المنبعث يجبرها على الخروج للمواجهة ثم انتظر لدقائق
بانتظار المواجهة الحتمية.امتدت الدقائق و مطت ثوانيها كأنها ساعات ، و لما نفذ
صبره وأعيته الحيلة انقض على السلسلة هدماً لعلها تخرج منزعجة من الحجارة المنزلقة
و الدخان المتصاعد.وأخيراً تخرج من بين الركام و الدخان المتصاعد ووسط الفحيح أفعى
يتقاطر السم من فكها العلوي..رقطاء رأسها مثلث الشكل مغطى بحراشف صغيرة غطتها سحب
الدخان المنبعث من الحشائش ، تحاول الانقضاض عليه بلدغتها المسمومة ، غير انه كان
حذراً فهوى على رأسها بضربة قوية فهوت بثقلها و سمومها كأنها مارد خرج للتو من
قمقمه فخر صريعاً.
كان العشرات قد اتخذوا مواقعهم فوق الأسوار المحيطة بالحديقة ة - يتفرجون من بعيد
-
إنها أصلة – صاح أولهم
-
لعلها أفعى جرسية مجلجلة – قال آخر
-
إنها ذات قرون من التي سمعنا عنها في الحكايات – زعم ثالث
-
ربما كانت صلاً أسوداً من عائلة الكوبرا – عقب آخرهم
لم ينتبه قاتل الأفاعي للمتطفلين بل امسك بالأفعى و رفعها على كتفه الأيمن ، كان
يمشي بشموخ و كانت الأفعى تتدلى بصمت و خشوع بليغين .
في اليوم التالي كانت الأفعى معلقة أمام البوابة الرئيسية للمنزل مثل أيقونة
افريقية تشهد لصاحبنا على قوته كلما مر أمامها عابر سبيل !
*مدرس لغة في جامعة الملك عبد العزيز .