كوابيس آخر الليل
كوابيس آخر الليل
ياسين سليماني
مضى الليل إلاّ أقلّه، خيوط الدخان المنبعث من سجارته كانت ترتفع لتشكّل دوائر كثيرة في الهواء، المرمدة تكاد تمتلئ من بقايا السجائر، كان ينظر إلى الفضاء نظرة باهتة، قلبه كأنه جواد في سباق للخيل، محاولاته الكثيرة لقطع شرايين السهاد كانت تنتهي كلّها بالفشل، قراءته للجرائد لم تأت بفائدة، فلقد قرأ الكثير منها إلى أن تذكّر في الأخير أنّها قديمة.
ما أصعب الانتظار، خاصة إذا كان متعلقا بأمر ليس متأكدا من حدوثه أو عدمه.
كان يشجّع نفسه فيقول بأنّه عمل كل ما بوسعه لفهم وحفظ ما يتعلّق بدراسته، نعم، كثيرا ما نهض فجرا فصلّى وعاد يذاكر من جديد، وكان قد نام البارحة منتصف الليل وكتابه بين يديه.
غير أنّ الخوف كان يساوره، يحاول أن يقطع جنبات فؤاده بعد أن أنقض ظهره، تذكّر بأنّه كان يِوهم والدته المسكينة بأنّه يتابع الدروس الخصوصية التي أنهكها ثمنها في حين أنّه يأخذها لنفسه ويصرفها على الشاي والسجائر التي تعلّم اقتناءها بداية من هذا العام، عندما رأى أصحابه المخلصين يهيمون بها.
غراب الليل ما زال ضاربا بجناحيه في السماء، سكون يثير البؤس، جمود كأنّ الدنيا كلها تحوّلت إلى مقبرة، نباح قوي هجم فجأة على أذنيه جعله يضرب كفا بكفّ، أليس هناك إلاّ الصمت أو النباح ؟
عادت إليه صورته في أيّام الدراسة، تذكّر كيف كان يصاب بالأرق في أغلب لياليه فإذا ما حانت أيّام الامتحانات، ووطن نفسه على الاستيقاظ ليلا للمذاكرة، وجد نفسه لا يفيق إلاّ إذا شاب شعر الليل فلم يبق مجال للسكون.
الغرفة الكئيبة تكاد تخنق صاحبها، حاول أن يخرج منها لعلّه يروّح قليلا عن ذاته،غير أنه وجد أن هناك في الخارج مللا أكثر مما في غرفته.
عاد إلى الفراش وأخذ يعد:ناجح أنا، لست ناجحا، ناجح أنا، لست ناجحا...كرر هذه الكلمات بحيث لم يعرف عددها ، بيد أن المعجزة حدثت ونام، وسكنت كل أعضائه إلا فمه الذي أخذ يلوك كلمتي: ناجح أنا، لست ناجحا...