ملحمة العاشقة والقدر

د. جبر خضير البيتاوي

د. جبر خضير البيتاوي

[email protected]

[email protected]

أ. مساعد في قسم اللغة العربية/ كلية الآداب

 جامعة النجاح الوطنية

عاشقة الفارس الملثم والخيول من أرض العسل والياسمين، باحثة عن الحرب والسلام، تنتظر منذ طفولتها أن تحمل على صدرها فارسا امتشق سيفا ومنجلا، يمتطي فرسا شهباء تسابق الريح والعواصف.

أما الفارس القدر فقد ركب سفينته التي تخترق الأشياء، إنها مركب طيار يسير في كل اتجاه، على البر والبحر والجو، يخترق أفاق السماء. التقت العاشقة والمسير في طائرة شراعية، قدر لهما أن يسيرا سويا، كلاهما يبحث عن ظله الملاصق، كي يعانق البواخر والطيور والأسماك والغيوم والموت والحياة، تلكم البداية.

قالت له خجلة: أتعرف أنني باحثة عن الغرام يجعلني ملاصقا لظلي الآخر، لا تستغرب كثيرا، فأنا أدرك أن قدري أن ألقاك، فأنا مولعة وأنت قدر محتوم. عرفت ذلك حينما أنطلق بنا مركب الصواعق والبوارج. فأنا لم أخف منك. فأنت باحث عن رابعة جديدة، وأنا منتظرة وجودي الذي أشتاق، منذ قذفنا البحر مرة إلى شاطئ لا يرى فيه إنس ولا جان ولا سلاحف.

فأنت تعيش عالمك الرحب، تغفو على الشلالات المتدفقة في ظهيرة كانون الجميل، ذاك كان اللقاء الأول، حينما أصبت برعشة وثورة وبركان، من طائر الفينيق الغريب عن الديار.

كنت هائمة على وجهي في كل الدروب والمعابر والأزقة، شعرت وقتها أنه قدر لي، أن تكون لي جناحان أحلق بهما في كل مناحي البلدان والحقول. أخترق الزمان والمكان والعوالم، فأشعر بكياني في عالم يرفض القرب والبعاد.

فقاطعها قائلا: توقفي فأنا كذلك كنت محلقا مع طائر أخر، في دروب الأكوان العليا، اتخذت من النجوم منازل ومن الكواكب محطات، ومن المجرات مواقف. ظننت يومها أن لا أحد يوقفني عن غاية ووصول، حتى ساقني القدر. وأنت تعلمين أنني قدر العالي في الصوامع والبراري، لا أكترث بكل العناكب والخفافيش والطحالب.

فأنا منذ صغري لا أسير إلا حينما تنام الضفادع، وتسكت النوازل، ويتوقف البكاء والعويل من كل السحايا والخنازير البرية. حتى رمتني الأقدار بعابدة الجمال والضياء، ووجدتك أنت تنتظرينني، كي أنقلك إلى هناك، حيث لا ماء ولا هواء ولا ظل ولا حرور. وفي مكان يخاف الناس من الاقتراب من عالمه الفسيح.

ففيه زمان التوقف والبداية، زمان الحياة الأبدية، حيث تقومين وحدك بدور زرقاء اليمامة، تحلقين في السهول والبراري، وعلى الأنهار والجداول، وفوق السحاب والغيوم.

وها أنت تدركين الآن يا عزيزتي أنها البداية، بداية الحياة والصفاء، والعشق والممات، والفناء والخلود. إنها أغنية الأرض والسماء، وأنشودة البروج والأضواء، وعناق الورود والسلالم، والزعتر والدم، والنور والظلام.

ففي مدينتنا يكره الناس الورود والأقمار، والشموس والدياجير، والجبال والوديان السحيقة. لا يعيشون إلا في القبور والملاحف، وخارج التاريخ والجغرافيا.

أما نحن فقد أطلقنا معا رصاصة أخيرة على الخوف والمرابع، وعلى العقارب والزواحف. وأدركنا ذلك أنا وأنت ومعنا طائر محلق، يستمد القوة والعون من جبار العالي لنشكل سويا مربعا من سيمفونية الخلود والانطلاق، وبداية مشوار الموت والحياة، والحرب والسلام، والنور والطلاسم، وأغنية العشق والميلاد. إنها ملحمة الوجود الجديد.