أنا ووحدتي

إيمان شراب

[email protected]

خرس الجرس ، وانقطعت الأرجل ، وكل شغلته مشاغله ، وبقيت وحدي تؤنسني وحدتي ، نصحو وننام معا ، نأكل طعاما دون طعم معا ، نقرأ معا ، نشاهد أخبار الطحن  والقتل والظلم والجوع والألم معا ، ندعو الله معا ، ونبكي معا ...حتى عندما أذهب إلى عملي نكون معا .

اتصلت بي أختي تدعوني للحضور ، فقد تعرفت على جارة سكنت جوارها مؤخرا  وستقوم بزيارتها . اختلقتُ عذرا من هنا وعذرا من هنا أيضا -  لأن هناك بعيدة لا طاقة لي للحصول عليها – لكنها أصرت وسترسل السائق ليأخذني .

قلت لها : بل أرسليه ليسحبني يا أختي ، فكيف لي أن أخرج للزيارات وأن أجبرني على الحديث والضحك والمجاملات .

أجابت : حرام عليك ما تفعلينه يا أختي ! الحياة لا تنتهي بموت أحد ، فهي مستمرة رغما عني وعنك !

قلت : لا أستطيع ، لقد ماتت أمي ، وقبلها بسنوات مات أبي !  هذا يعني أن الشمس ماتت والأقمار ! فأين الراحة بعدهما والقرار ؟ أين الليل والنهار ؟ وأين الربيع الذي تتحدثين عنه والاخضرار ؟ أين الحروف والكلمات ؟ أين المترادفات والمتعاكسات؟

لم يبق في حياتي يا أختي سوى وحدتي وعلامات تعجب واستفهام  !

 لبست ُمجبرة ، ورسمت خطا بالقلم الأسود داخل عيني ، ولونا زهريا لامعا على شفتي . تأملتـُني في المرآة  فراق لي منظري العام !

كم أنا مسكينة ! بعض ألوان على وجهي غيرت مزاجي ؟ غريب ! هل هناك جمال في الحياة بعد وفاة أمي ؟

استقبلتني أختي بحرارة أحسست بدفئها .

قالت : أخيرا خرجت وهجرت وحدتك ؟

قلت : لا ، لم أهجرها فهي معي .

فظنت أني أمزح ، وقالت : لقد كدت أن أنسى شخصيتك المرحة وضحكتك البريئة وابتسامتك الدافئة .

قلت : الضحك سعادة ، وكل ما حولي مرٌّ وبشع .

قالت : إنك عنيدة ! لوعشت معي أو مع أخينا بعد وفاة أمنا ، أليس أفضل من بقائك وحدك ؟

حضرت الضيفتان ، جارة أختي ومعها أختها .

سلمتُ وجلست ، فإذا بالضيفتين تتهامسان وتنظران إليّ . ارتبكتُ لحظة ، وقبل أن أخوض في أفكار سوداء وأندم على المجيء ..

سألتني الجارة : ألست المعلمة إيناس ؟

قلت : نعم ، أنا هي .

صرختا معا : غير معقول !

تعجبت وأختي : وما هو غير المعقول ؟

قالت الجارة : ألا تذكريننا يا معلمتنا ؟ لقد درستـِنا في المرحلة الابتدائية ! أنا سارة وهذه أختي نهال !

تأملتهما لحظة ، ثم قلت : نعم .. نعم . لقد تذكرتكما جيدا .. وهل يـُنسى المتميز ؟

قالت نهال : وقد كنت ِالمعلمة الأروع ، ولم ننسكِ أبدا !

أشرقت روحي .. وجرت دماءٌ فـَرِحةٌ في عروقي .. وربما لمعت عيناي كما كانتا تفعلان عندما أفرح كثيرا .

طابت الجلسة ، وتحدثنا في ذكريات كثيرة ، ذكـّرتاني بالتمثيل والنشيد

والمسابقات ... أخبرتاني أنني سبب في حب إحداهما للغة العربية فكانت دراستها في الجامعة ، والثانية لم تبتعد كثيرا فهي تدرس الإعلام .

عدت للبيت ، فوجدته مشرقا ، الأشياء فيه كلها تبتسم ، حتى الطفل الحزين في صورته  على الجدار ابتسم !

 آه ! أين وحدتي ؟ حتى أنت سعيدة ؟

   عاد النبض لحياتي من جديد ، فرأيت الشمس والقمر ، رأيت الخير، رأيت الناس  بل استطعت أن أرى داخلهم النقيّ !

ورأيتني أخيرا عروسا تجاوزت الثلاثين ولكنني جميلة ، أمسك بيد زوجي الطيب الوسيم ، وحولنا ابنتاه سارة ونهال ، والصالة ممتلئة بالأحباب ، والزغاريد تصدح من هنا وهناك – نعم ، من هناك أيضا – .

أما وحدتي ، فكنت أبحث عنها بين الحين والحين لتعينني على صلاة ودعاء وقراءة وفكرة .