مشهد من الحياة الزوجية
مشهد من الحياة الزوجية
(2)
عصام ضاهر
مدرس وحاصل على دبلومة في التربية
كانت الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل ، حينما جافى النوم عينيه ، وودع النعاس جفنيه ، وشعر بشيء ثقيل يجثو فوق صدره ، فهب من سريره متجها نحو غرفة أخرى و جلس خلف مكتبه الموجود بداخلها ، يفكر في حياته الزوجية ، وعلاقته بزوجته ، وما آلت إليه أمورهما معا بعد استمرار زواجهما ما يقرب من السنة التاسعة .
جلس ليُقَيِّم تلك العلاقة ، بحلوها ومرها ، بيسرها وعسرها ، بلينها وشدتها ، وبطولها وعرضها .
جلس مترددا حائرا بين أن يواجهها بما في قلبه تجاهها ، أو أن يكتب لها عن هذا ، بين أن يبوح بسره لها ، أو أن يواصل حياته معها دون محادثتها في ذلك .
وبينما هو في ذلك جال بخاطره شريط الذكريات ، فتذكر أيامه الأولى معها ، ومدى الحب الذي كانا يعيشان فيه ، تذكر مقدار المودة والألفة التي كانت سائدة بينهما ، و لاح أمام ناظره كَمُّ العواطف والمشاعر التي كانت تسري داخل عش زواجهما .
جلس لكي يتلمس آثار الماضي في إضاءة المستقبل ، ويرتب أفكاره ، ويلملم بقية مشاعره وأحاسيسه تجاهها ، يفكر ماذا يصنع .
وبينما هو على تلك الحالة راودته فكرة تخلصه من حيرته ، ويخبر بها زوجته عن بعض ما يغضبه منها دون أن تثور ثائرتها ، ودون أن يجرح مشاعرها . ولم يشعر بنفسه إلا وهو يتناول القلم وبعض الأوراق ليكتب لها الرسالة التالية:
لماذا أحبك ؟
زوجتي الحبيبة..
لماذا أحبك ؟ سؤال يسير غير أن الإجابة عليه أمر عسير ، اللهم إلا إذا تبدلت الحروف إلى نور والكلمات إلى رياحين وزهور والسطور إلى ضياء ينير الدروب !!
هل أحبك لأنك كنت بمثابة النور الذي أضاء لي حياتي ؟
أم أحبك لأنك كنت – وما زلت – البسمة الرقيقة التي تخفف عني عبء الحياة ووطأتها ؟
أم أحبك لأنك الزهرة التي أستنشق عبيرها ، وأتمتع بجمالها في هذه الدنيا التي ما فتئت ترمينا بنغصها وكدرها ؟
أم أحبك لأنك المودة التي ساقها الله إليََّ لتكون عونا لي في عبادته ودعوته ؟
أم أحبك لأن أرواحنا قد ارتبطت ببعضها منذ الأزل ، وتعارفت وهي في عالم الغيب كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ ) [ صحيح البخاري ] .
أعتقد أنني أحبك لذلك كله ، ولاسيما وأن الله الكريم قد قال في كتابه (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) [سورة الروم الآية21 ] .
وكما قال صاحب الظلال في تعليقه على هذه الآيات : " والناس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر ، وتشغل أعصابهم ومشاعرهم تلك الصلة بين الجنسين؛ وتدفع خطاهم وتحرك نشاطهم تلك المشاعر المختلفة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرأة . ولكنهم قلما يتذكرون يد الله التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجاً ، وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر ، وجعلت في تلك الصلة سكناً للنفس والعصب ، وراحة للجسم والقلب ، واستقراراً للحياة والمعاش ، وأنساً للأرواح والضمائر واطمئناناً للرجل والمرأة على السواء " [ في ظلال القرآن ] .
جنتك ونارك
زوجتي الحبيبة..
كم أنت مليئة بالمشاعر الفياضة والحب العامر الصادق ، بيد أني أراك في بعض الأحيان تقصرين في حقي بدعوى كثرة المشاغل ، وانشغالك بالأولاد فأذكرك بحديث النبي – صلى الله عليه وسلم - فعَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ كَيْفَ أَنْتِ لَهُ قَالَتْ مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ قَالَ فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ ) [ لا آلوه : أي لا أقصر في طاعته ] " مسند الإمام أحمد "
الاختلاف أمر طبيعي
زوجتي الحبيبة..
من النادر أن يعيش رجل وامرأة زمنًا طويلا يتفقان فيه على كل أمر، فلا يخلو بيت من خلاف على أمر أو نزاع في شيء، أو سوء تفاهم حول أمر من الأمور ولو بين الحين والحين.
- فلمَ أراك كلما حدث بيننا شيء من ذلك أخبرت به أهلك وأصحابك ، وهتكت سترنا ، ونشرت سرنا ، وأظهرت عيبنا أمام الناس ولم تحفظي غيبتي بينهم ؟
- كم كنت أتمنى يا زوجتي الحبيبة أن تتغاضي عن بعض أخطائي ، وأن تحفظي سرنا ، وأن تراجعي نفسك في ذلك.
وما أجمل ما قاله ابن حبان رحمه الله: (من لم يعاشر الناس على لزوم الإغضاء عما يأتون من المكروه، وترك التوقع لما يأتون من المحبوب، كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه، وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة والبغضاء أقرب منه أن ينال منهم الوداد وترك الشحناء) [ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ].
- وكم كنت أتمنى أن نكون كما قال الإمام أحمد - رحمه الله- عن زوجته عباسة بنت الفضل -رحمها الله-، أم ولده صالح: أقامت معي أم صالح ثلاثين سنة، فما اختلفت أنا وهي في كلمة. ثم ماتت - رحمها الله-. [ تاريخ بغداد ].
- وكم كنت أتمنى إذا حدث خلاف بيننا أن تسارعي إليَّ كي نتصافى ونتغافر ، وأن تعملي على إزالة آثاره من قلوبنا كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة الودود الولود العؤود على زوجها التي إذا آذت أو أوذيت جاءت حتى تأخذ بيد زوجها ثم تقول والله لا أذوق غمضا حتى ترضى ) [صحيح الجامع ] .
خيالك في عيني وذِكرك في فمي=ومثواك في قلبي فأين تغيب
من ذا الذي ترضى سجاياه كلها=كفى بالمرء نبلاً أن تُعَدَّ معايبه
لا ينظر الله إلى امرأة !!
زوجتي الحبيبة..
لِمَ أراك كثيرة الشكوى مني ؟ والتضجر من أفعالي ؟ دون أن تذكري ما يبرر لك ذلك !!
ولماذا لم أسمع منك كلمة شكر ولو قليلة ؟ أما سمعت قول النبي – صلى الله عليه وسلم - (لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه) [ رواه النسائي ] .
كم كنت أتمنى أن تجتهدي في إرضائي ، طالما كان ذلك ليس في معصية الله ، وكما قال ابن الجوزي: " وينبغي للمرأة العاقلة إذا وجدت زوجًا صالحًا – وأسأل الله أن أكون كذلك - يلائمها أن تجتهد في مرضاته، وتجتنب كل ما يؤذيه، فإنها متى آذته أو تعرضت لما يكرهه أوجب ذلك ملالته، وبقي ذلك في نفسه، فربما وجد فرصته فتركها، أو آثر غيرها، فإنه قد يجد، وقد لا تجد هي، ومعلوم أن الملل للمستحسن قد يقع، فكيف للمكروه "!
شاركيني في الأجر
زوجتي الحبيبة ..
مالي أراك كلما أردت الخروج لدعوة الناس إلى الخير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو السعي في قضاء حوائج الناس ، تحاولين أن تثنيني عن ذلك ، ولا تعينيني عليه ؟
وكم كنت أتمنى أن يعين كل منا الآخر على طاعة الله – تعالى – وعبادته وأن نكون ممن ينالون دعوة النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي يقول فيها : ( رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ) [ سنن أبي داود ]
تبسمك صدقة
زوجتي الحبيبة ..
في أيامنا الأخيرة وجدت البسمة التي كانت تعلو وجهك دائما قد ذبلت ، والبهجة التي كانت تملأ حياتنا قد انطفأت ، والسرور الذي كان يفيض به وجهك بشرا قد ذهب وولى !!
فلم ذلك ؟ والنبي – صلى الله عليه وسلم ( تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ ) [ سنن الترمذي ] فما بالك إذا كان التبسم في وجه الزوج ؟!!
وهل يأتي السرور – الذي أخبرنا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم - إلا عندما أرى الابتسامة تعلو وجهك دائما حيث قال - صلى الله عليه وسلم - ( أَلا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُه الْمَرْءُ ؟ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ ) [شعب الإيمان للبيهقي ] .
وبينما هو مستغرق في كتابة رسالته ، سمع صوت المؤذن ينادي لصلاة الفجر ، فقام مسرعا إلى غرفة نومه وطوى رسالته وكتب عليها ( طوبى لعبد أخفى في نفسه من الحب أكثر مما يبديه ) ، ثم وضعها بجانب زوجته دون أن يوقظها وخرج إلى المسجد لصلاة الفجر وهو يدعو الله أن يصلح له زوجته .