الذئب و الحمل
محمد أبو الكرام
في غابة كثيفة الأشجار تعيش كل الحيوانات في سعادة و أمان .تساقط الأمطار المنتظم يظفي على الغابة رونق و جمال خضرتها و ثمارها الكثيرة المتدلية من الأشجار تجعل كل الحيوانات تغني سمفونية الشبعان.لكن في هذا العام قلت الأمطار و جفت الأنهار و يبست النباتات و الأعشاب ،و ماتت العديد من الحيوانات من الأمراض و الجوع.مما جعل الناجية منها مغادرة الغابة و البحث عن مكان جديد.
بينما كان ذئب جائع جاثما تحث شجرة تبدو عليه علامات الجوع الشديد،فجأة وقف مستغربا مسح عينيه لعل نظره يوهمه بما يملأ بطنه الفارغ بعد الجوع..لا...ماذا؟!...لا اصدق .
لقد لمح صديقه الدب حاملا شيئا في فمه . صاح الذئب متألما:آه بطني.. سأموت جوعا...صديقي الدب ما تراه حاملا في فمه؟!
اقترب نحوه الدب ثم صاح الذئب مستغربا..يا للغرابة أيها الصديق؟!.رد عليه الدب سائلا إياه عن سبب غرابته.
- ما الغريب في الأمر؟!
- لقد سال لعابي من مفاجأتك الجميلة..!
كلمه الدب كأنه لا يعرف تملق صديقه الجائع.و ما الأمر الذي فاجأك؟!
- أنت صديق وفي ..أتحبني لهذه الدرجة؟
- صحيح..أكيد...ولكن كيف عرفت أنني احبك كثيرا؟
- تصطاد ديكا سمينا و تكلف نفسك عناء حمله مسافة طويلة أليس هذا تعبير كبير عن حبك لي؟
ضحك الدب ثم همس لنفسه انك ذئب مخادع..ماكر تتملق وقت حاجتك. لن أسلمك صيدي الثمين.توجه إليه قائلا:هذا الديك ليس لك انه لي وحدي.تحسر و نعت الدب بالشره و ناكر الخير بعدما طلب من الدب اقتسام الوجبة لكن صديقه السمين فضل أن يدله عن مكان قريب يشبع معدته مما لذ وطاب من الأكل.لم يصدقه الذئب ضانا منه استغفاله حتى يتسنى له الاستمتاع بالديك السمين دون إزعاج.لكن الدب أكد له صحة الأمر و دله على تواجد غنم كثيرة بجانب النهر دون راعي و لا رقيب.مطمئنا إياه حال إحساسه بالجوع سيلحق به ليساعده و يقتسم معه الغنيمة اللذيذة.شكره الذئب ثم أسرع نحو الهدف وهو يمني نفسه بخروف سمين ،لحمه طري و شهي.
اقترب من النهر و ثغاء الغنم تداعب مسمعه. تأكد من صحة الأمر ثم قال:صديقي الدب على حق .باه.. غنم كثيرة بدون رقيب و حدها تنتظرني ،حرام كل تلك اللحوم تمشي أمامي و بني جنسي تموت جوعا هذا ليسا بعدل الطبيعة علينا...لن اقتسمها مع صديقي الدب لقد تعبت حتى وصلت إليها.
حار الذئب من أين سيبدأ الأكل من هنا أم من هناك .بالصغير أم بالكبير.حاول أن يقترب من النهر متظاهرا بالشرب ثم يرحل حتى يستغفل وجباته و يطمئن من خلو المكان.رأته الغنم التي خافت منه فتجمعت في مكان واحد.أحس الجائع بخوف و استسلام فرائسه طمأن نفسه قائلا :اطمئني يا معدتي سأشبعك لحما حتى أنسيك قسوة الطبيعة. لمح حملا يأتي نحوه استغرب من قدومه ضانا منه تقديم لحمه فداءا لقطيعه.تقدم منه الحمل ثم وجه له التحية و رحب به كصديق لهم جميعا.فرح الذئب بترحيب الصغير ثم همس لنفسه(متى كان الذئب صديقا للخرفان) .رد عليه التحية و شكره عن حسن الترحيب و الضيافة.اقترب الحمل من الذئب و تبدو على خطواته الشجاعة دار حول الذئب ثم حاوره بثقة كبيرة:
- أنت جائع.. أليس كذلك؟
- (بلهفة)اجل...اجل..إنك لطيف...!
- جئت لتأكلنا ؟!!...
رد عليه الذئب و لسانه يتلعثم ...لا..لا..أريد أن أشرب ثم أعود من حيث أتيت.
- لا تخجل فتحن تعودنا على ذلك ..كل جائع يذوق لحمنا فتعجبه لذته و طراوته فيعزم أن يبقى معنا .نهديه كل يوم خروف يختاره بنفسه .
ابتسم الجائع بعد أن اطمأن من كلام الحمل الصغير.فقد تحقق حلمه بعد أن عاش أيام و ليالي وجلد بطنه ملتصق يظهره من الجوع.اقترح عله الصغير وصلة غناء قبل آن يبدأ الأكل ،رحب الذئب بذلك خاصة و أنها تفتح له الشهية .
- يا لكم من لطفاء، في قطيعكم فرقة موسيقية؟!
- أجل...ستعجبك كثيرا...لكن نشترط عليك أن تغني معنا.
- شرطك مقبول مادمت ستكون في بطني.
وجه الحمل وجهه نحو القطيع،تجمعت أمامه.. رفع يده كمايسترو فرقة محترفة ثم أعطى إشارة البدء . فصار القطيع يثغو و الذئب يعوي.فكلما رفعت الغنم صوتها..ماع...ماع...ماع ارتفع معها عواء الذئب ..عو عو...عوعو..عو...عو...
سمع الراعي ثغاء الغنم و عويل الذئب ،فاسرع إليها حاملا هراوة سميكة و سلسلة حديدية صحبة كلبه.أحاطا بالذئب الذي تبتت قدماه من الخوف.
اقترب منه الكلب الذي سبق و أن حذره ..هاو..هاو...لقد مسكناك أيها اللعين.رد عليه الذئب و جسده يرتجف خوفا:كنت اغني معهم أغنية الشبعان...و أنا جوعان.
تقدم نحوه الراعي و الحبل بيديه ،مسكه و هو يحدثه بلهجة قوية:حقا أيها العندليب...صوتك أعذب من ماء النهر.لف الراعي الحبل حول عنقه ثم جره.
- أي...أي...أين سترحل بي؟!
- إلى الأستوديو...سنسجل لك شريطا ...
- (مبتهجا) هذا رائع...شريطي سيكسر العالم ..سأصبح فنانا مشهورا.
- سأكسر على ظهرك هذه الهراوة..ستصبح فرجة للزوار في الحديقة العمومية أيها الغبي...