عيون تدمع
إدريس الجرماطي
هل تذكرون؟..ربما لا تذكرون شيئا، سأعيد:
قطرات الندى على المرآة، وقفة يليها اكبر سهو، قلب ينبض كمن خلا منه رواق وهاجره العشاق ، وضاق به المقام، حقا لأنه هاجرته المرأة التي كانت حلمه الوحيد، تزف له البشرى في كل رؤيا أنها ستعيد له لون الحلم إلى الحقيقة، يستيقظ كل يوم، يمزق طرفا من ثوب غطائه ليكون شاهدا على حبه الذي أنهك تفكيره منذ أن عرفها، هكذا تمر الحياة في أعماق "غوستن" ، يأخذ الورقة يكتب إليها:
ـ أنت لحن خالد أزلي أضحى ساحرا إياي، آخذا بشخصي إلى دنياك المجهولة...
يصرخ لأنه لم يكلمها بعد، هو سجين مع وقف التنفيذ، يمر في الشارع العام، يلطم يداه بقوة أشياءه البريئة، يسمع في كل مكان:
ـ صغير شاة انجلى عن القطيع...
يقول في أعماقه :
ـ هل المارة على علم بما يجري، ربما أصبحت تافها؟..
يسمع صوتها:
ـ لا تصدقهم ..إنهم يكذبون، يعيشون لحظتهم على حسابك..
أخذ يكتب ثانية:
ـ أنا غريب عنك غرابة سحرك، دهاؤك علي اخذ يومها ثانية ليأخذ بأوشاج قلبي وأشلائه إلى دنيا الأزل في نسق روحاني لعبت فيه الطهارة دور الأسد..
الليل، صورة بلا نوم، بلا تفكير في أشياء أخرى ، قصته من سبب إليه حيرته التي لا تنتهي، "غوستن" يسقط مرميا على هامش أوراقه المليئة بالأحداث ، أحداث تحمل اسم "فايزة" هي أم سارة، أبوها مرشدا سياحيا ينتظر لقمة عيش على رأس كل أسبوع، لا يملأ فمه غير السب والشتم في وجه امرأة ربما لا يعرف قيمة ما سببته ل"غوستن" الذي يتوفى ببطء نتيجة فقدانه للعطف من ظلال "فايزة" اللعينة ، هي لا تعرف أن هناك من يتجسس فقط ليسمع كلامها ، هي لا تعرف انه يقول في أعماقه:
ـ أهواك.. احبك...ولن أقول أقدسك، لأن التقديس لخالق الحب والجمال..
استلقى "غوستن" على وجع أفكاره التي جعلته غير مخلوق إلا لهواها المعذب لأنفاسه، صورتها في نومه تصنع أحداثا أخرى ، يراها تسقط من السماء ، بينما هو ينغمس في الأرض لا يملك حيلة لإنقاذها ، ويسمر الحلم في الحقيقة ، إنه الفقدان التام، ووجود آخر في مستشفى الأمراض العقلية في مدينة غريبة لا يعرف كيف وصل إليها، بينما "فايزة" تشرب العصير مع رجل تكرهه...