الصراخ
الصراخ
ياسين سليماني
الصراخ... أكره شيء في حياته...
رغم أنّه سدّ الباب سدّا محكما إلاّ أنّ الضوضاء لا تزال تصل إلى أذنيه فتزيده توتّرا...
لقد قال له طبيبه النفساني: عليك أن تتجنّب كلّ أشكال القلق، تذكّر دائما، ليس في صالحك البقاء في مكان به ضوضاء، ليس في صالحك وجود حركة كبيرة من حولك.
أوامر ونواهي الطبيب حفظها ويستطيع أن يسردها كاملة غير أنّ تنفيذها صعب. أحيانا يفكر في سدّ أفواه أخوته الصغار بشرائط من القماش ويصل به تفكيره أحيانا إلى تخيّل كيفية رميهم من النافذة ليتخلّص منهم كما تتمنّى ذلك أمّهم.
مستحيلة هذه الحياة... كيف يعمل ؟ كيف ينام ؟ كيف يجلس أمام التلفزيون ؟ كيف يأكل ؟ كلّ حركاته وسكناته يشاركه فيها إخوته بضوضائهم.
إنّه يحبّهم، لكنّ يخيّل إليه كثيرا أنّهم كريهون لديه، أعصابه احترقت، لا مجال للصبر أكثر من هذا، بشقّ الأنفس حاول التحكم في نفسه، تذكّر كتاب "عيوب الشخصية" وبدأ يقرأ:
"أفضل طريقة للتغلّب على الشعور بالقلق أن نتعلّم كيف نسترخي ونسيطر على أنفسنا بوسائل معيّنة تمكّننا من عدم الاهتمام الزائد على الحدّ بالحوادث أو الأفعال أو الأقوال المعينة التي يمكن أن تؤدّي إلى إثارة الشعور بالقلق".
زاده الكتاب شعورا بالتوتّر، كيف له ألاّ يهتمّ بالحوادث أو الأفعال والأقوال وهي أقرب إليه من حبل الوريد.
يحسّ برغبة كبيرة في شنق مزعجيه، يرغب في إرسال صيحة تنفّس عنه كلّ الكربات التي تعتلج في نفسه فما أحوجه إلى هذه الصرخة لولا أنّ الزمان والمكان غير مناسبين.
صراخ قويّ يندفع إليه، يجعله يخبّئ رأسه تحت الغطاء، واضعا فوق رأسه نمرقة يضغطها كثيرا كيلا يسمع شيئا، ولكن مع ذلك، الصراخ لا يزال.