من مذكرات أنثى
منى كوسا
كانت مشاعر غامضة توقظ مخاوفها و هي تمتلك سلاح الكلمات القوي و لكن عيناها تجردانها من سلاحها تمطرانها حزناً , وحده القدر يتربص بها يعطيها صفعة لم تنهض منها بعد برغم مرور السنوات , يسبقها عطرها إلى مستقبلهاالمجهول و قلبها يهرول أمامها .
ترى هل ستولد مرة أخرى مع خيط فجر جميل ؟
إنه السؤال الذي يبقى معلقاً في الذهن .
مرارة التنقيب في مذكرات أنثى و التجول في ذاكرتها وحزنها و دخول عالمها بدون تصريح , ها هي مذكراتها أمامي ...و بإمكاني اليوم أن أقرأها .
قرأتها و قد أرهقتني فقد كانت ممتعة ومتعبة مثلها و أنا أشم بين سطورها رائحة عطرها تثير لدي بكل ما تكتبه أكثر من سؤال , قرأتها بتمعن و إذا بي أشعر كأنني غواصة تغوص في أعمق أعماقها النقية .
عرفت كل شيء عنها , تركت مدينتها إلى مدينة أخرى تبحث عن نهايتها و هي تعيش صدماتها صدمة صدمة مسكونة بالرفض و برغبة المواجهة , تحقد على القدر , تستسلم له دون مقاومة , تريد أن تعرف لماذا هذه الحياة غير عادلة , لكنها
تجد لهزائمها الذاتية دليلاً على انتصارات لها ليست في متناول الآخرين , المهم أنها تعرف ما هو هدفها الحقيقي في الحياة وأن المال ليس هومشكلتها الأولى , لكن الأهم هو توازنها الداخلي ,تنحاز دائماً إلى المبادىء و القيم و تكره الجو الموبوء بالنفاق و لا تجامل أحد سوى ضميرها الذي لا تعيش مع أحد سواه ,تتتمنى لو بإمكانها أن تغفر لمن قتل أحلامها و تختار اللامبالاة عاطفتها .
هي عصفورة مبللة من مطر سماء رمادية أو كسمكة صغيرة تسبح في بحر عكرتحكمها أسماك القرش و الحيتان القوية , أمرأة ذكية تثير الإعجاب بها حتى في حزنها وجرحها المكابر , تفضل الوحدة و تهوى الإنزواء في ركن ساكن هادىء
لا يزعج سكونه و لا يقلق هدوءه ضجيج الحياة و صخب المدينة , تميل إلى الإعتقاد بأنها غريبة في نفسها , حزينة في قلبها يراودها الشك بأن تكون ضحية جديدة لذلك رفعت زجاجة السم إلى فمها بيد مضطربة و همت بشربها لتكون الحد الفاصل بين تعاستها و سعادتها , بين حياتها و موتها ,ثم أخذت تزحف ببطىء إلى قرارة نفسها و قدغلب عليها حب البقاء و الروح عزيزة , ...فقالت :لماذا أقدم على الموت و أشرب بيدي كأس حتفي و لأجل من أحطم صرح حياتي الذي بنيته ؟, أخذت تطرح على نفسها أسئلة عديدة منها , ماذا أريدأن يكون لي في هذه الدنيا وقد قضيت من عمري ما قضيت و لم أذق قطرة واحدة من شهدالسعادة و لم أعرف من الحياة سوى سمومها .
رفعت زجاجة السم مرة أخرى إلى فمها بيد راعشة تريد أن تنتقم من هذه الدنيا ومن فيها و إذا بها تتجرعها بشجاعة
لتضع حد لحياتها , أخذت تتقلب على الأرض و الألم يمزق أحشائها و يعصر قلبها , استسلمت إلى غيبوبة ,فتحت عيناها فوجدت نفسها على سرير المشفى تواجه قدرها و هي التي قررت السفر من الحياة على عجل حتى تنتهي من العيش في هذه الأجواء التي كانت تدور بطريقة مضادة لها .
انحدرت من عيناها دموع تعكس صورة لنفسها الحزينة لكنها سرعان ما أخذت تفتش في أفق أوسع عن وسيلة تنسيها نفسها فلم تجد سوى الكتابة تفقد بها همها و مصابها فلازمتها و ها هي تخلد حروفها , تحرق القلوب بيدها الناعمة و تلهب النفوس .