حتى أنت يا
حتى أنت يا (.......).؟
ماهين شيخاني
-إلى طاعنتي .. لم أطعن ولن أطعن .
لاشك أن كل واع ومنصف للإنسانية لا يجهل حقوق المرأة ولا يفرق بينها وبين الرجل في جميع المناحي , وبما أننا كمسلمين آمنا بشريعة الله وسنة نبيه الكريم , نعلم مدى تكريم الإسلام للمرأة ومدى مكانتها , وكوننا بشر نعيش ضمن مجتمع متحضر حيث نناصر الإنسانية وحقوق كل إنسان, وهو كإنسان تربى على أخلاق لا يسمح له التجاوز على حقوق الغير أو ظلمه لرجل كان أم لامرأة , قيم ومبادىء رسخت في ذاته , بل أصبحت جزءا من ثقافته , وقد يناقضه الكثير في ذلك أو يحسبها نقص لشخصيته الرجولية , حيث تعامله مع المرأة كموازية ومساوية وأنها نصف المجتمع قولا وفعلا , لا تقاسم الفراش فقط .
إلا أن ما حصل خلال مسيرة حياته وتضحياته الكثيرة لأسرته, لن تقبله الإنسانية أو أي ضمير حي, شيء أشبه بالكارثة بل الكوارث ارحم بكثير, كونها تأتي دون إرادة الغير, ولكن الذي حصل معه شيء لا يصدق. منتهى الوحشية والدمار , منتهى الجنون والنار , لأاعتقد بأن وحشية كهذه تفكر فيها أية امرأة تهلك نفسها ومن معها بهذا الخيار . قد يمر على الإنسان مواقف لا ينساها طوال عمره ، سواء كانت سعيدة أم حزينة ولكن من أصعبها حينما يثق في شخص ما – خاصة إذا كان أغلى شيء في حياته - ويرفع قدره ويكرمه ويزيد في إغداق التقدير له لا بل ويدافع عنه في المحافل ويقف بجانبه ، ثم يكتشف إن هذا الشخص كان خائنا ،كان يكيد المؤامرات ضده وينتظر لحظة للانقضاض ويعض اليد التي مدت له المساعدة بل ويطعنه في ظهره.
كان قيصر إمبراطور روما ،أعطى صديق عمره بروتس كل ما أراد وأكرمه ورفع قدره بين الناس ثم كانت خيانة فتاكة إذ طعنه طعنة نجلاء وادخل المدية الحادة مخترقا عظام ضلوع ظهره ،التفت القيصر سريعاُ وشاهد صديق عمره بروتس يسحب المدية من ظهره والدماء تتدفق غزيرة من الجرح ، وقال قيصر آنذاك آخر عبارة سطرها التاريخ له (حتى أنت يابروتس ) وصارت مثلا للإنسان الكريم الذي يثق في احد ما ويكرمه ويرفع قدره ثم يطعنه من الخلف خائناُ .
لم تكن امرأة عادية أو زوجة بل كانت حبيبة, أميرة قلبه, وأم لأولاده, أغدق عليها كل الاحترام والتقدير والعطف واجمع قلوب العشاق في قلبه وأهداها لها. كانا ثنائيا يشار لهما بالبنان ويحسدهما الكثيرون . عاشا أجمل أيام حياتهما بحلوها ومرها وكانا سعداء . كانت طلباتها مستجابة . كان يراوده إحساسا بالفراق كونه عاشق, والعشاق مصيرهم الفراق أو الموت. أي أن النهاية مؤلمة , مأساوية .
كانت أيام حلوة وسعيدة لأسرته, والوضع المادي لابأس, ولم يكن بحاجة لأي شخص سوى رضاء الله والوالدين, حتى أن بعض رفاقه أمنياتهم أن تكون حالتهم المادية والأسرية, ميسورة كحالته الأسرية المتفاهمة والحالة المادية المستقرة. لكن يبدو أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن. فكان زورقه الصغير يحمله مع أربعة أطفال وأمهم في بحر هادى, أحيانا تهب عليهم رياح خفيفة كانا معظم الأوقات يتغلبا عليها بالحكمة والتفاهم التي رافقت بينه وبين زوجته في ذاك الوقت.
إلى أن جاءت يوما وسردت له حكاية أهلها ورفيقاتها , حيث باتوا يضايقونها ويسألونها عن أموالهم وعن كيفية إنفاقها , و يقولون لابد إنكم تملكون الكثير وقد تدخرون أموالكم في المصارف .
- كان يستمع لها وهي تتكلم , مبتسما , لما يدور برأس هؤلاء , من أفكار .
- قالت: وتبتسم, غريب أمرك يا أخي, أصبحت بينهم أضحوكة وأنت تبتسم ولا يهمك شعوري وأحاسيسي.
- بالله عليك ماذا قات لهم, نملك أموالا وندخرها في البنوك ؟ أم لنا أسهم في الشركات وتجارة العقارات ؟.
- دعني أكمل الحديث , انك دائماً تقاطع حديثي ولا تسمعني واستأنفت , يقولون أن بيتنا غير مرتب وفيه الكثير من النواقص , ولا تصرفون عليه شيئاً , وأنتما الاثنان تعملان , زوجك في المحل , وأنت تقبضين راتبك , أين تذهبان بالمال , ثم أردفت - صحيح والله أنا أيضا أفكر مثلهم أحيانا - أين نذهب بالمال , لا أكل مثل الناس , ولا مطاعم , ولا ألبسة ولا مشاوير ؟. ودائما نرى أنفسنا في آخر الشهر خالي الوفاض , صفر اليدين ؟.
- حبيبتي لو وضعت في يدك آلة حاسبة, كنت وقتها ستعرفين أين يذهب الأموال. المصاريف باتت صعبة يا غاليتي, وبما انك تساهمين معي في هذا ولا تستطيعين الدفاع عني, بل أصبحت مثلهم تشكين في ذلك ؟. فالأفضل أن تدخري راتبك أن كنت شاطرة وذكية ؟ وأنا سأتكفل بمصارف البيت من الآن وصاعداً.
- لا تفهمني غلط , أقصد ............
- قاطعها : لاغلط ولاهم يحزنون , أنت لك راتبك ودخري كيفما تشائين , وهذا حقك الطبيعي والشرعي وتصرفي به مثلما يحلو لك , وأنا مثلما قلت , سأتدبر أمري .
كانت هذه أول عاصفة هوجاء تلاطمت زورقه الصغير, وبدأ أهلهما والوسط الخارجي, يتهامسون بأنها لا تساعده, وتدخل الطفيليون في حياتهم وأصبحوا يلقنوهم دروسا في الواجبات الزوجية والحياتية. وأصبحت هي تتغير يوما بعد يوم , وتحول البيت إلى سعير جهنم لا يطاق ، بدلا من تلك الجنة الدافئة .
التفت إليها بعد ستة عشر عاما من القدسية والمحبة والإيثار, وهي تكافؤه بطعنات في القلب, ذاك القلب الذي أحبها وأحب الإنسانية جمعاء.