بكائية عاشق عند ضريح الحبيبة
عوض عثمان عوض
سوداني في بريطانيا
[email protected]
الذاكرة مقبرة الإنسان
مقبرة سيئة التأثيث
مليئة بالبشر والأعمار والتوابيت
*
والممرات والنوافذ المغلقة
خرج
مبكرا من منزله مع أول خيوط الفجر ... يجرجر خطوات مثقلة بالتعب و الإرهاق ..
جلس
على ركبيته قرب ضريح حبيبته , بعد أن وضع أكليل من الزهور في شاهد قبرها ,
دمعت عيناه بغزارة و خاطبها كأنها واقفة أمامه :
عذرا حبيبتي ...
لقد
إنقطعت عنك مدة من الوقت دون إرادتي , لكن طيفك المشرق و الجميل ظل حاضرا و
يرافقني في كل لحظة , لمدة ستة أشهر لم ترى عيني الشمس إلا يوم أمس .
أخذوني من المنزل إلى السجن في ليلة ظلماء بعد أن أخذوا كل أشياء تخصني وخاصة
الكتب والدفاتر , سألوني عن أشخاص لم أعرفهم ونسبوني لتنظيم لم أسمع به مطلقا
في
حياتي , كل ما قلته لهم إنني كفرت بالسياسة والسياسيين في هذا البلد منذ زمن بعيد
..
تخيلي لم يغلبوا حيلة إبتدعوا لي إتهام فوري ووصفوني بأنني عنصر متمرد وثائر قد
أشكل
خطر
ضد النظام في يوم من الأيام..
المهم لم أتحدث بعد ذلك و فضلت الصمت المطلق قالوا لي بعد كل تلك المدة من
الإستجواب
والتحقيق والتعذيب يمكنك الآن أن تذهب لمنزلك فالأمر كان مجرد تشابه في الأسماء ...
هكذا وبكل ببساطة ودون أية كلمة إعتذار واحدة , وعندما سألتهم عن أغراضي قالوا لي
لا
تسأل عنها فقد أبيدت , هذه هى بأختصار الحياة التي أعيشها ..هل أحكي لك عن الوطن ؟؟
وعن
حال البؤس في عيون الناس ؟؟ ماذا أقول لك سوى أن الوطن أصبح طاردا للبشر و
للحجر ومازالت تتحكم فيه عصابة من المجرمين و الطفيليين والمتسلقين ..
وكما أخبرتك في المرة السابقة فقد رحل كثير من الأصدقاء المشتركين بيننا , من هم من
توفى ألم و حسرة و منهم من هاجر لمدن السراب و إنقطعت أخبار البعض منهم و لا أدري
إذا
كانوا أحياء أم لا ؟؟؟
آه
كم أفتقدك يا حبيبتي .. أفتقد نبرات صوتك الساحرة ورقة قلبك وأنوثتك العذبة وجمال
روحك وقوة شخصيتك ..رحيلك يوجعني ويدمي قلبي , رحلتي وأخذتي معك قلبي وعقلي
وروحي وأصبحت ذكرى إنسان , برحيلك إنتحرت الحياة وفقدت طعمها وبريقها و أخذتي
معك
كل ما هو جميل في هذا الوجود , وفوق كل ذلك أفتقد وجودك الذي كان يملأ حياتي
بالحنين و السعادة و العشق لدرجة الجنون ..
لم
أعرف أنثى بعدك كل تلك السنوات العشر منذ رحيلك , لم يعد بي شهوات فقد أصبت بتبلد
المشاعر و الأحاسيس , وأصبحت إنسان محبط ويائس و لم أرى أية بارقة أمل في الحاضر
و
لا في المستقبل , أصبحت وحيدا لا أحد لي سواك يسمع ثرثرتي , أحمل على كتفي عبء
الحياة و هموم الأيام و أصداء الخيبة والوجع ..
لم
يعد هناك شئ يغريني أبدا .. حتى الموسيقى التي كنت أهرب إليها لتخفف عني الآلام
هجرت سماعها وتناست أصابعي العزف على الجيتار و أصبح مجرد منظر معلق في الحائط
من
يستحق أن أعزف له بعدك يا حبيبتي ؟؟؟
وللأسف حتى الآن لم أملك الشجاعة الكافية بعد لأخلص نفسي من هذه المهزلة ...
سأذهب الآن يا حبيبتي .. على وعد أن أعود قريبا إما زائر أو ضيف دائم , و سأنتظر
قيامة موتي لتنقذني من هذه الحياة .. أرقدي بسلام وأدعي لي أن أكون بالقرب منك فلم
أعد
أحتمل الإنتظار ,
لم
أعد
أحتمل
الإنتظار
*
كلمات المقدمة للشاعر السوري / نزيه أبوعفش