ما قبل الاعتراف المتأخر

محمد المهدي السقال

محمد المهدي السقال

القنيطرة / المغرب

[email protected]

استرقت النظر في عيونهم خافقة دواخلي بتوجس ما يمكن أن يتهامسوا به في عز التظاهر بمشاركتي احتفال ما يسمونه ليلة الدخلة ، وأخيرا ضاعت منه سلطانيته ، انهزم المحارب على جبهة الرفض المطلق لطقوس اللعبة ، شعرت بالتقزز من لحظة انفصال ذاتي عن ذاتي ، سألني أخي ''أحمد'' عن التحول المفاجئ ، لم أكن أدري أنه سينقل عنّي بالحرف بعضاً من ردّي عليه ، فقد سرى بين صحابي وأهلي أنني ما أقدمت على ما أنا فيه سوى لرغبة في توقف النظر إلي كعانس قبل الأوان ، لكن ''أحمد'' كان أميناً فيما تبقّى من حديث حول خوفي من عجز محتمل عن أي فعل ، ابتسم مستغرباً حين أسررت له بنفي مداعبتي لها بأي شكل من الأشكال طوال فترة الخطوبة ،  ثم علّق عليّ خائفاً من سكوتي عما قد لا تحمد عقباه ، وهو يستعرض أمثلة الذين تأخر بهم الزواج، فاكتشفوا أنهم في النهاية عاجزون عن قطرة دم في مثل هذه الليلة ، لم أشأ التعبير أمامه عن انزعاجي من فشل محتمل ، رغم أنه يدري أكثر من غيره ما كان بيننا من صعلكة في سوق النساء ، تبا لها من طقوس مقيتة.

نما إلى سمعي أكثر من مرة ، حديث متقطع عن صلة قديمة بهذه المرأة التي قاسمتني الفراش لأزيد من عشرين عاما ، لعل أغربه صوغ حكاية بالغت في تجميل صورة الحب الذي كان بيننا ، استدل بعضهم برفضي المتواصل الزواج من بنات خالي وخالتي وعمتي وجارات كانت بينهن وبين أمي صلات جاوزت قرابة الدم ، أذكر ارتباط البداية بأوائل السبعينات، حين تحدثت الحكومة عن سنة بيضاء ، وهي تحكم بالإعدام على عام كامل من الدراسة ، ومن خلاله على عمر التربية والتعليم في البلاد إلى الآن ، كرهت اللون الأبيض ، بعدما ظل عندي رمزا للنقاء والطهر و أشياء أخرى تشكلت بالوهم في حلم أحمر،

حين بادرتها بالسؤال ، كرهتُ من القطة الجميلة في القسم كما كنا نسميها، أن تكون خارج اللعبة ، برفضها الانخراط في الإضراب العام ،

حاولت إقناعي بأن الإضراب هذه السنة سياسي ،

وليكن ، ما لك أنت ؟

انسحبت ، ولم ألتق بها إلا بعد عشر سنوات ، سألتها عن حياتها فاشمأزت مما هي فيه، استرسلتْ في لعن القدر والحكومة وأشياء أخرى ، وجدت فيها امتدادي للأقصى من غضب على كل شيء ، هل تزوجت ؟ أخجلتها بمفاجأة السؤال فردت : أنت كما أنت لم تتغير، لكنك تغيرتِ ، ولم يطل بنا الحديث في الشارع عند بوابة دكان أخي ، تسمع آخر الجمل فقال بنبرة ما حسبتها إلا ساخرة :

تزوجها ، تبدو مناسبة لك ،

نظرت إلى حالي المتمزق بين حلم في الحلم وحلم في الواقع ، بين أناقتها البسيطة وفوضوية شكلي الأقرب إلى تمثيل انشغالاتي ، قلت لأخي:

ليس بيني وبينها شيء يربطني بها مما أختزنه عن صورة المرأة في ذاكرتي،

عدنا إلى الفلسفة ،

وتوقف عن الحديث، كنت أعرف أنه يفهم ما أقول ، ألم يكن أستاذاً قبل اعتزاله الخدمة في أول احتكاك له بالنظام التعليمي المترهل ؟ ثم استدرك:

تزوجها ، على الأقل  ستحمي نفسك من القيل والقال، وكان عملياً في مساعدتي مادياً لإقامة هذا الحفل ، لكنه وحده ظل يعرف أني كنت أصنع هامشا لوجودي غير الذي أنا منشغل به .