بائعة الترمس
محمد الخليلي
بعد أن تنهي أم وليد أعمالها البيتية اليومية ، تدأب عصر كل يوم أن تضع سطلها الصغيرالذي يحتوي على الأكياس الصغيرة المليئة بالترمس على حافة الرصيف قرب جامع التلاوي في حي أم السماق في مدينة عمان لتبيع ماشاء الله لها أن يرزقها به سعيا للقمة عيش عيالها ؛ فبيتها الصغير المتواضع لايحتاج إلى كبير جهد في ترتيبه وتنظيفه ، ثم إن إعداد الطعام أيضا يتم بسرعة ، لأن طبيعة الطعام الذي تعده لأطفالها بسيط جدا ولايتطلب طويل وقت ؛ وهم لفاقتهم يكررون وصفة الطعام مرة كل أسبوع ، أي أنهم يعرفون إذا كان اليوم سبتا تكون الوجبة الأساسية فولا ، ثم يوم الأحد حمصا ، وهكذا إلى آخر الأسبوع ، حتى إن وليد يقول لأ قرانه في المدرسة أنا أحفظ الجدول اليومي مثلما نحفظ جميعا جدول الضرب ، بل مثل فاتحة الكتاب ، بل أستطيع أن أدعي أني أحفظه أكثر من اسمي . لذلك فإن الأم تستطيع أن تعده وهي مغمضة العينين ؛ لأنه مكرر إلى حد الرتابة المملة .
لاتكل ولاتمل أم وليد من الجلوس في زاويتها المعروفة ، والتي يقصدها فيها كثير من أصحاب السيارات الفارهة إما للعطف عليها ، أو لأن أطفالهم يحبون ترمس الخالة أم وليد . بل إن بعضهم يشتري منها كيسا بعشرة قروش ويعطيها دينارا ، ولايرضى أن يأخذ بقية الدينار عطفا منه على أطفالها اليتـَّم فتحاول جاهدة ألا تبقي معها بقية الدينار أو غيره إن كان أكثر من ذلك قائلة لهم أنا لاآكل الصدقة فأبي رحمه الله كان يقول لنا أننا من آل بيت النبي ؛ لذا فنحن لاتجوز علينا الصدقة ، فيقولون لها ياأم وليد هذه إنما هي هدية ، والرسول صلى الله عليه وسلم قد قبل الهدية ، وينطلقون بسياراتهم بسرعة البرق ، فتقول أم وليد في نفسها وقد خنقتها عبرتها الحمد لله أن سخَّر من أمة محمد من يُهدي لآل محمد صلوات ربي وسلامه عليه .
مهما كانت الظروف الجوية صعبة ، تحت حر الصيف الملتهب ، أو تحت قر الشتاء القارس ، تلبي أم وليد واجب الأبوة التي حُرمها أولادُها ، فتأتيهم كل يوم بعد جلوس ساعات طويلة في الشارع بدريهمات يقتاتون عليها . ولاتستطيع أن تغيب مرة عن سوقها لأن ذلك يعني أن أطفالها في اليوم التالي لن يأكلوا خبزا . وليس عندها عطلة أسبوعية أو عطلة عيد أو ماشابه ذلك ، لأن عمل كل يوم هو قوتهم اليومي .
وذات ليلة أعلنت الأرصاد الجوية في مدينة عمان أن الثلوج ستظل تهطل على كل أنحاء الأردن طيلة ثلاثة أيام . إذا ماذا ستفعل الأم الأب ، خاصة إذا تلا الثلج صقيع . ياالله .. ماأقسى هذه الظروف الجوية (الخيرة) كما يصفونها .. قد يكون فيها الخير لمن يملكون قوتا طويا الأمد ووقودا كافيا لبرد الشتاء.. ولكن أي خير فيها لمن كان لايملك إلا قوته اليومي ، وسينفد الكاز عنده بعد يومين؟! ماذا عساي أفعل إذا أغلق الثلج الشوارع فخلت من المارة ومن السيارات ؟ .. يارباه السيارات أهمّ من المارة ؛ لأن بعض ذوي السيارات لايأخذون بقية (الفكة) .. لأنني إن اعتمدت على المارة فحسب فلن أطعم الأطفال غير الخبز.. أولاد الجيران سوف ينعمون باللعب على الثلج ، وإذا مابردوا من صقيع الثلج ذهبوا إلى بيوتهم لتناول الأطعمة والأشربة الساخنة لتعويض الحرارة التي فقدوها أثناء صنعهم للرجل الثلجي . لامانع من أن يخرج أولادي معهم للعب ، ولكن أنى لي أن أحضر لهم ما نفس وطاب من لذائذ الطعام والشراب ؟؟ أسئلة كثيرة كانت تصطرع في خلد أم وليد حتى كادت أن يغمى عليها . لكنها أخيرا قالت ربما ينصرف المنخفض الجوي وينقشع دون أن يؤثر على بلادنا الحبيبة ، فكثيرا ماتتوقع الأرصاد الجوية حدوث تأثير شديد لمنخفض جوي عميق ، لكن قدرة الله تصرفه حيث يشاء . أليس الله بيده تصريف الرياح وإنزال الأمطار ؟ لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، حسبي الله لاإله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم . هذه آخر كلمات فاهت بها أم وليد قبل أن تسلم الروح لبارئها ، وتغط في نوم عميق .
وفي الصباح الباكر وبعد أن أدى كل أولادها صلاة الفجر وقرأوا شيئا من القرآن نظروا من الشباك فإذا الأرض قد اكتست حلة قشيبة بيضاء ناصعة والثلج يدور في الهواء تلعب به التيارات الهوائية إلى أن يحط رحاله على الأرض متكدسا فوق مايقرب من نصف متر تراكمت خلال الليل الأبيض المنصرم ، وسرعان ماعاودت الأمَّ فكرة العطلة الطويلة وانقطاعها عن العمل مايقارب أسبوعا ، أجل أسبوع ؛ فالنصف متر يمكن أن يزيد فما يزال القطن البارد يهطل بكثافة وقد لف الفضاء بلونه الناصع الذي يبعث الأمل في نفوس جميع الناس خلا الفقراء الذين يكسبون قوتهم يوما بيوم . لأكثر من ثلث ساعة كانت أم وليد تغرق في لج تيار اللاوعي ، تكاد تصرعها المخاوف ، فمن لهذه الأضراس الجائعة التي لاتنفك تدور بحركة دائبة باحثة عن طعام تطحنه . صحيح أنهم يعلمون أن والدهم قد توفي قبل سنين ، ولكن ماذنبهم وجسومهم المتنامية تتطلب المزيد من الطعام لتحرقه ، سيما وأن وليدا وأخته الصغيرة يمتازان أو يعانيان ، لاتدري حسب علمها البسيط ، من فرط حركة ونشاط زائدين . فبعض الجيران يقولون إنه حسنة إيجابية وإن وليد وأخته سيكون لهما مستقبل زاهر ، ولكن جارهم الذي قد درس التربية وعلم النفس يصنف ذلك في الحالات المرضية التي تتطلب علاجا ضروريا . ولكن أنى لامرأة أرملة مثل أم وليد أن تعالج هكذا حالتين ، وهي التي لاتقوى على علاج حالات بسيطية مثل الالتهابات التي تصيب عموم الأطفال ، فهي عادة ماتطببهم بالمستحضرات الطبيعية البسيطة والدعاء .
كان الأطفال يتكلمون مع والدتهم ولكنها كانت تنظر إليهم ولاتراهم ، تماما مثل ما تحدثنا عنه الآية الكريمة من سورة الأعراف التي يقول الحق تبارك وتعالى فيها ( وتراهم ينظرون إليك وهم لايبصرون ) . فالموقف الجلل قد ألجمها وأزاغ بصرها ، ولكنها سرعان مااستجمعت قواها وقالت في نفسها : الله يخزيك ياشيطان ، كم تستحوذ على ابن آدم الضعيف ؟ ألم أزجرك البارحة بأدعية مأثورة ؟ صدق رسول الله فيما أخبر عنك أنك تجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق . كانت الأم تتمتم بهذه الكلمات غير المفهومة عندما سألتها ابنتها الكبرى دنيا : ماما هل أنت بخير ؟ مابالك لاتكلميننا ؟ هل أصابك مكروه لاسمح الله ؟ قالت البنت ذلك والدموع تصبب من عينيها شلالاً . وفجأة انتفضت الأم قائلة : لا بل أنا بخير مالكم تتكلمون معي بهذه الطريقة ؟ أنا طبيعية ، مالمشكلة ؟ أكب وليد ودنيا على حجر أمهما يقبلانها قائلين : منذ مايقارب نصف ساعة ونحن نتكلم معك وأنت لاتردين علينا ، في البداية ظننا أنك زعلانة من أحدنا ، ثم مالبثت أن تكلمت مع نفسك مراراً ، والله لقد خفنا عليك ، فضمتهما الأم إلى صدرها قائلة : لاتخافوا فأنا بخير ولكني كنت أفكر في أمر جلل .
سأل وليد : أكنت تفكرين في أبي رحمه الله تعالى ؟
فقالت الصغيرة معترضة : لماذا تذكرها به يا ( أهبل ) ؟
فقاطعته دنيا قائلة : أنا التي أعرف مايمكن أن يدور في مخيلة أمنا الحبيبة .
فقالت الصغيرة : أنت هكذا تدعين الغيب يافيلسوفة .
فقال وليد : أعوذ بالله فقد علمنا الأستاذ قبل يومين آية من سورة النمل تفيد أن لاأحد يعلم الغيب إلا الله حتى الرسل ، ومن يدعي علم الغيب فقد كفر بما أنزل على محمد .
فقاطعته الصغيرة : قل صلى الله عليه وسلم يا ( شطور ) .
فقالت دنيا : وما هي الآية ياوليد ؟
وليد وقد تهيأ للتلاوة كما مقرىء مشهور : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله ال
فقاطعته الصغيرة قائلة : البسملة لأوائل السور فقط يا (فهمان ) !
وليد : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :(قل لايعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ) صدق الله العظيم
فأردفت دنيا : الأفضل أن تكمل الآية ياأخي الحبيب وليد ؛ لأنه لايكتمل المعنى إلا بتمام الآية .
الصغيرة : أرأيت كم ترتكب من الأخطاء ياسيد وليد ، هذا كله من الدلال الزائد الذي تمنحك والدتك فقط لأنك وحيد ، فهل ذنبنا أننا خلقنا الله ثلاث أخوات ثم مات أبوك ولم يخلف غيرك حتى تحظى بشطر الاهتمام ؟
قالت البنت الصغرى : ( أنا بحب ماما أكتر إشي ) .
قال وليد : أولا إنك قلت قبل قليل لاتذكر ماما بوفاة بابا ، ثانيا : أريد أن أكمل الآية ( ومايشعرون أيان يبعثون ) ثالثا : ماشأنك إن كانت أمي تحبني أكثر منك ، هل تعرفين لماذا ؟ لأنك ( غليظة ) وهذه الغيرة سوف تقتلك يوما ما .
فقاطعته الصغيرة : بل أنت الذي ستلقى سعيرا يوم القيامة بسبب الدلال الذي أنت (مبسوط ) عليه .
قاطعها وليد : لأن قلت كلمة أخرى فسأحطم رأسك .
عندها تدخلت الأم وهي تقول لهم جميعا : كلكم أولادي وأحبكم بنفس الدرجة ، فأنتم أغلى عندي من روحي التي بين جنبيَّ ، ثم أجهشت بالبكاء فأشارت دنيا للصغار أن ينصرفوا من الغرفة إلى الغرفة الثانية التي لايمتلكون غيرهما ، ثم قالت لأ مها :هذا الموضوع جدير بالاهتمام لأن مايعتمل في صدر أختنا الصغيرة يستند إلى واقع ملموس ، وإن مايحيك في صدر أخينا من عداوة بائنة ظاهرة تستحق الدراسة .
قالت الأم : أرك تهتمين بالأمور النفسية ، فلعلك ستدرسين علم النفس كما جارنا أبو الصادق ؟
دنيا : أرجو أن تسمح الظروف المادية بذلك .
الأم : وقد أفلتت منها دمعتان فسقتا خديها المتوردين إن لزم الأمر فسأبيع الذي فوقي والذي تحتي حتى أكمل دراستك ، ألا يكفي أنك تشاطرينني الأعباء المنزلية وتشاركينني في تربية إخوتك الصغار ؟ والله سأبيع عِقد زواجي من أبيك وهو آخر شيء من ذكراه الحبيبة لكي تتمي دراستك الجامعية
استأذن الأولاد أمهم للخروج إلى الشارع للعب بالثلج مع أقرانهم ؛ إذ أعلن وزير التربية عن تعطيل المدارس لمدة أربعة أيام .
بالطبع جميعهم فرحوا إلا الأم وكبيرتها دنيا التي تشاطرها همَّ البيت والأولاد والمسؤوليات ، فهما كانتا تفهمان العطلة على أنها نقص في المواد التموينية الأساسية .
لبس الأطفال كلهم ملابس صوفية سميكة لتقيهم من قر الثلج ، طبعا لبسوا كل ماعندهم من ملابس شتوية صوفية ، لأن كل ماعندهم (غيارين ) شتويين لكل فرد من أفراد العائلة .
سألوا دنيا أن تصاحبهم في هذه الرحلة الثلجية ، وقد طلبت أمها منها ذلك ،ولكنها أبت ، مخافة أن يقضي الوجد على والدتها ، وهي في المنزل لوحدها ، بعد ان سمعت عن العطلة الثلجية .
وما أن فتح الأولاد باب المنزل الرئيسي ، حتى اندفعت إلى داخل المنزل مجموعة أكياس موضوعة أمام الباب . ولما فتحوا أولاها وجدوا قصاصة ورق كتب فيها : أرجو أن تبلِّغكم هذه الأغراض حاجتكم في هذه الأجواء الخير ةالصعبة ، ولاتنسونا من الدعاء ، التوقيع محسن .
سألت الصغيرة : من محسن هذا ياأماه ؟
قالت دنيا : أتسمحين لي أن أجيبها ؟ فأشارت الأم بعينيها ،أي نعم ، فأجابت أختها هذا ليس اسما وإنما صفة لشخص ما لايريد أن يذكر اسمه .
قالت الصغيرة : وهي تضحك لقد ظننته ابن جيراننا الأبعد محسن ، واستغربت ذلك ؛ لأن أبي رحمه الله كان يقول إنه بخيل جدا . على أية حال لم أفهم فلسفتك يادنيا عندما قلت إنها صفة وليست اسما ، فأنا لاأفهم كلمة محسن إلا على أنها اسم لشخص ( أي بني آدم مثلنا ) .
دنيا : لايهم ذلك كثيرا فحين تكبرين تدركين كنه الفرق بين الاسم والصفة ،اذهبي مع إخوتك للعب بالثلج ولاتتأخروا ، وأنا وماما سنتدبر شؤون هذا الرزق الذي ساقه الله عز وجل لنا ، فنكون قد أعددنا لكم وجبة شهية ساخنة لتعويض الحريرات التي ستفقدونها .
سألت الصغيرة : وماهي الحريرات يادنيا ؟ أهي حرارة المدفأة أم غاز الطبخ ؟ قولي لي ولاتتعذري بأني صغيرة .
ضحك الأولاد جميعا ، ثم قالت دنيا : شيء لايشبه أيا منهما ، فهي مقدار مايصرفه الإنسان من طاقة ، أو مايختزنه جسمه من سعرات حرارية .
قالت الصغيرة : رجعنا إلى الفلسفة ! ولقد أضفت لنا كلمة جديدة صعبة تحتاج إلى تفسير وهي (الأسعار الحرارية ).
ضج الأولاد بالضحك فصرخت دنيا بها قائلة : إن لم تذهبي الآن فلا خروج لك .
سأل وليد : وماهو الطعام الساخن الشهي الذي ستطبخوه لنا ؟
فقاطعت الصغيرة بقولها : ياليته ليس حمصا ولا فولا ولا.. وعدت كل أصناف الطعام الذي يتكرر كل أسبوع على مدار سني حياتها القصيرة .
دنيا : لاأعرف لأنني لم أفتح الأكياس إلا بعد أن تنصرفوا إلى الثلج .
وفي المطبخ كانت الوالدة تسر لابنتها دنيا عن حديث النفس الذي حاك في صدرها ساعة أوت إلى فراشها ليلة أمس ، وهما تفتحان الأكياس فتجدان أصنافأ من الفواكه والخضروات لا تعرفانها من ذي قبل ، فتقول الأم يادنيا إياك أن تستلمي لوساوس الشيطان ، وكوني على ثقة بأن الله رازقك رغم أنف الصغير والكبير ، وتلت الآية من سورة الذاريات ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) ، لشد ماكنت قلقة على الأفواه الجائعة التي لاتقدِّر العطلة الثلجية أو المطرية أو البرَدية ، المهم أنهم سيأكلون وجبتين في اليوم ، مثلجا كان أم ممطرا . من كان يدري يادنيا أن تأتينا كل هذه المؤن التي ربما تكفينا على استهلاكنا القليل مقارنة مع جيراننا مايقارب شهرا . المهم لاتنسي محسنا من الدعاء يادنيا ، سأجعل قنوتي الليلة في صلاة الوتر خاصا به ، وإن كنت في شغف لأن أعرف من هو .
قالت دنيا : لو كان يريد أن يعرِّف بحاله لفعل ، وأظن أن من إحساننا له أن لانتتبعه ، لأنه يبدو يتمثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في الحيث الطويل عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله ، وذكر منهم ( ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لاتعلم شماله ماتخفي يمينه ) ، ويبدو أنه إنسان محتاج إلى دعاء الفقراء ، كما نحن محتاجون لصدقة الأغنياء .
فقاطعتها الأم قائلة : ألم أنبهك على موضوع أننا لانأكل الصدقة ؟
فردت عليها البنت : سامحيني ياأماه ، ولكن قول لي هل ستخرجين لبيع الترمس بعد انقشاع الثلج ؟ فعندنا مؤونة تكفي لأسبوعين ، حتى إن محسنا لم ينس (جالونة الكاز) ، الله يجزيه مليارا من الخير . مارأيك ياأمي أن تعتبريها عطلة عيد ؟
قالت الأم وهي تتنهد : ألم أعلمكم قصة النملة والصرصور يادنيا عندما كنتم صغارا ؟
دنيا : بلى ياأماه .
الأم : لن أعطل إلااليوم الذي لاأستطيع فيه الخروج فعلاً .
دنيا : ولكن كيف ستجلسين على الرصيف المتجمد ؟
الأم : أنا لاأشعر ببرودته ، فالله تعالى يمنحني دفأ من عنده ويعطيني حرارة تكفي لاثنين ؛ لأنني أم وأب معاً ، هذه الحرارة ليست كالحرورات التي كنت تشرحين لأختك عنها.
تبسمت دنيا قائلة : إنما هي حريرات .
الأم : لتكن ماتكون ؛ فأنا لم أدرس الثانوية مثلك .
دنيا وقد أكبت على يدي أمها تقبلهما : بل أنت خير أم على هذه البسيطة .
وفي المساء تحلق الجميع حول مائدة الطعام ليتذوقوا صنوف الطعام والشوربات التي لم يسبق لهم أن يعرفونها من ذي قبل ، وقد حاول الأطفال أن يسألوا مرارا وتكرارا عن أسماء هذه الأنواع الغربية من الأطعمة والأشربة ، فتومأ لهم الأم والأخت الكبرى أن كلوا واشكروا الله عز وجل ولا تسالوا عن أشياء لاأملك أية إجابات عنها ، ولا تنسوا أن تدعوا للمحسن الكريم محسن ، فضحك وليد وأخته مرددين (المحسن الكريم محسن) ، فقالت دنيا (أيْوََه) أريدكما متحابين ضاحكين دائماً دون أية مشاحنات .
وفي اليوم التالي رؤيت أم وليد بائعة الترمس وهي تجلس فوق صقيع الثلج المتجمد والذي تراكم على الأرصفة ملبية كل طلبات الصغار من الترمس الساخن الشهي فقد خلت الشوارع من السيارات الفارهة وغيرها ؛ أي أن اليوم ليس فيه بقايا (الفكة) . قالت أم وليد لاعلينا فقد كفانا محسن (الله يرضى عليه) مؤونة الفكات لأسابيع .
لقد نسيت أم وليد بل تناست بل ربما لم تشعر البتة بلسع برد الثلج الذي يسري في العروق ربما بسبب ( الحرورات) المضاعفة التي أخبرت ابنتها عنها .