حاجز التفتيش

فتحي درويش الرزاني

فتحي درويش الرزاني

الزمان/  عام 1967.

كان الباص يتحرك  كسلحفاة هرمة على الطريق المؤدية إلى مدينة عزه . والركاب لا يخفون تذمرهم من بطء حركة هذا الباص ،في الوقت الذي كان فيه السائق العجوز "أبو موسى" يتباهى بمهارته في قيادة السيارات ،  وعدم ارتكابه لأية مخالفات أو حوادث طوال الأربعين سنة التي عمل فيها كسائق .

قال احد الركاب غاضبا .-

- كيف ترتكب مخالفة وأنت تسير بأقل من سرعة ثلاثين  في الساعة؟

 طلاق بالثلاثة ما  اركب بهذا الناص  بعد اليوم .

قال أخر :-

- لو سرت مشيا على الإقدام ،لوصلت المدينة قبل أن يصلها باص أبو موسى. .

ضحك الركاب ،وزمجر السائق غاضبا ، وراح يتمتم بكلمات غير مفهومة وهو يلعن حظه العاثر ،الذي قاده للعمل مع أناس رؤوسهم قاسية كالصخر الذي لا يلين ،ولا هم لهم سوى أكل الفلفل الحار طوال النهار ، ومضاجعة نسائهم في الليل .

توقف الناص فجأة إمام حاجز للجيش الإسرائيلي ، وصعد احد الجنود للتدقيق في هويات الركاب ،وكان "محمود" أول من سأله الجندي عن هويته فرد قائلا :-

- انأ عمري 15 سنه ما معي هوية

قال الجندي :-

- كل هالطول وعمرك بس 15 سنه؟

انزل من الناص .

نزل " محمود " وراح  يلتفت حوله ،ثم أطلق ساقيه للريح عائدا إلى المخيم بعد أن اطمأن إلى أن أحدا من الجنود لا يراقبه ....كان خائفا ولم يتوجه إلى بيته ،وفضل الذهاب إلى بيت عمته خشية أن يشي به أحدا  ويأتي الجنود لاعتقاله .

ظل  حلم اكتشاف الأخر يراوده فقرر الذهاب إلى مدينة غزه مرة أجرى، لمشاهدة الإسرائيليين الذين بدؤوا يتدفقون  على شكل مجموعات سياحية على المدينة .

كان الميدان الرئيسي في غزه  يعج بسيارات الأجرة  الإسرائيلية التي تنقل الركاب  إلى  يافا وحيفا  وتل أبيب والمدن  الأخرى ..وكان  الجنود يملاؤون المكان، فيما كان  الباعة المتجولون الصغار  تعرضون بضائعهم على  السياح اليهود  بكلمات عبرية قليلة  تعلموها خصيصا لهذه الغاية .

- كنت أتخيل أن لهم أنوفا طويلة ، وأفواها مستطيلة كالثعالب .!!.

قال ثم انطلق نحو مجموعة من الرجال ، الذين كانوا يتخلقون حول  رجل يهودي عجوز ، كان يبدو من كلامه انه من يهود فلسطين ،فاقترب منهم وراح يستمع إلى ما يقوله الرجل الذي واصل حديثه قائلا :-

- قبل عام 48 كنا في البلاد  نعيش مع العرب في وئام وسلام ، وكنا نزورهم ويزوروننا ، ولما جاء هؤلاء  أصبحنا نقتل بعضنا البعض ، ساق الله على تلك الأيام الحلوة.

قال الرجل ثم اخرج منديلا من جيبه، وراح يجفف به الدموع التي انهمرت على خده ،وهو يلعن في سره ذلك اليوم المشئوم  الذي أعلن فيه عن قيام إسرائيل، فتفرق الناس وسادت  الحروب فيما بينهم ..

*   *   *   *

- ادفع قرش تقتل يهودي .

قال سائق سيارة أجرة يهودي، وهو يقرا بسخرية  ملصقا من ملصقات الحرب التي مازالت معلقة على جدران المدينة ،فرد عليه سائق أخر قائلا :-

- الحرب لم تستمر سوى ستة ايام ،كانت بعدها أحذية الجنود  تصطف في سيناء في رتل طويل يصل إلى قناة السويس.

ابتعد  "محمود" قليلا وظل  يتابع بشغف وجوه الغرباء الذين كانوا  يتحدثون العربية بلهجات مختلفة فيما بينهم  ،وندت منه التفافة نحو امرأة  إسرائيلية كانت تقف بالقرب منه ، كان فستانها القصير يكشف عن ساقيها ومفاتن جسدها البض  ، فأغمض غينيه قليلا وأطلق العنان لأحلامه المكبوتة، ولم يصحو إلا على وقع ضربات  أخمص بندقية تانهال على ظهره ،وصوت جندي إسرائيلي  يزجره قائلا :-

- روح من هون ياخمار .