طفل صغير يدعى احمد

خمسة قصص قصيرة جدا.

أحمد صرصور

[email protected]

القصة الاولى

قطع الإشكال

1958 م

في صيف هذه السنة , رأى احمد النور, بعد ان انجبت امه ثلاثة اناث . فاقيمت الافراح , والليالي الملاح , ووزعت الحلوى , على القريب والبعيد.حالها حال باقي ااعوائل في القرية.

وما ان تم السنة الاولى من عمره , حتي أُُخضع لمراسم "قطع الاشكال" . وهي عادة أُتبعت في تلك الايام, من قبل الفلاحين, لاعتقادهم ان الطفل الذي لا يقطع "إشكاله". يتأخر في السير. ويحتمل ان لا يسير البته .هذه العادة انقرضت, ولا تمارس في هذا الزمان. لذلك نرى شبابنا كسولا لا يحب الحركة, واقصد الحركة الجسمانية.

تجري مراسيم "قطع الإشكال" كالآتي :  يجلس الطفل في باحة البيت, ويوضع امامه وبين افخاذه, بيضة مسلوقة, وقالب حلوى, او ما تيسر منه. ويُربط ابهاما رجليه بخيط رفيع, قابل للقطع السريع .

يُؤتي بولد بالغ, ومن المفضل ان يكون اسرع من في القريه . حيث يقطع الخيط المربوط , ثم يسلب الحلوى, والبيضة , ويركض بكل ما اوتي من قوة, وبلا توقف, في ازقة القرية. يجوبها ولا يلوي على شيء, ولا يكلم احد . ثم يعود مرة اخرى الى باحة البيت . ليراه الطفل , ويتعرف على من سلب منه الحلوى. فيحاول ان يقف على ارجله , لاعادتها, او اظهار أي اشارة, تدل على انه تعرف على الجاني .

لكن احمد, لم يظهر أي مبالاة اتجاهه. فمن المحتمل, انه رأف بحاله, وابقى له الحلوى , وسامحه. من اجل ذلك, تأخر احمد بالسير, لعدة سنوات .                             

القصة الثانية

ضياع احمد

1961 م           

بعد اربعة سنوات من عمره, رافق احمد اختيه الكبيرتين,  في رحلة, هي الاولى له خارج القرية. رحلة الى المدينة المجاورة. 

انه لا يعي اين هو. لكن شعر بتغير ملموس, في المناظر التي من حوله . شوارع جميله, سيارات, وحافلات. ناس تغدو وتروح . من  اين اتت هذه الامم ؟ انه غير معتاد على مناظر كهذه . ان عيناه, اعتادت على رؤية الازقة , والابقار, والمواشي .

كل هذا ليس بمهم, قدر وقوفه امام حانوت البوظة. والتي تعرف عليها لاول مرة . شيء جامد, مدور, الوانه زاهية , يوضع في قمع بسكوتي . عرف بعد ذلك, انه يدعى بوظة.  ناولته اخته اياه . وما ان لعق منه, حتى تعلق به. وانسجم مع طعمه الزاكي بكل حواسه .

كان يلعق ما سال منه, على الاطراف. متلذذا, ومتعجبا. ليتنبه بعد دقائق, دون ان يجد اختيه بجانبه . لقد غادرتا المكان, كل في اتجاه, معتقدتان ان احمد, في راعية الاخرى .

ادرك احمد, ما حاك به من خطر , فاطلق ردة فعله الاولى, واجهش بالبكاء. واخذ بالسير البطيء, يمنة ويسرة ,عسى ان يلمح اختيه, او احداهما بين المارة. ولكن دون جدوى. فقرر ان يتخذ له موقفا, بالقرب من الواقي الحديدي, وامام دكان البوظة. ليعطي اختيه, فرصة ايجاده , ان عادتا.

وقف احمد, ينتظر الفرج . واثناء ذلك, كان يكفكف دموعه, ثم يلعق بفمه الصغير, ما سال من بوظة, على اطراف القمع, ويديه. او ليمسح بكمه, ما سال من دمع, على وجنتيه. ثم يتابع لعق البوظة, وعيناه تخترق اجساد المارة عسى ان تقع على اختيه .

منظر جميل, لطفل بريء. راع انتباه احدى المارات . فرأفت به, وجلست القرفصاء امامه, لتتساوى قاماتهما .

ارادت ان تستوضح منه الامر , لكنه لم يفهمها . كانت تكلمه بلغة, غير لغته.  فهو بالكاد يتكلم العربية, فكيف له, ان يفهم لغة ثانية, عرف فيما بعد, انها اللغة العبرية .

لقد استطاع, ان يستوعب, من حركاتها, انها تهديء من روعه. وكأن لسان حالها يقول: يا لبراءة الاطفال , يشعر انه ضائع, ويبكي, ورغم ذلك يلعق البوظة.

احتضنته هذه المرأة, بكل عطف وحنان. وبقيت بجانبه, نسأل كل عربي, يمر, ان كان يعرف هذا الطفل. حتى فطنتا اختاة لغيابه, وعادتا الى نفس المكان, للبحث عنه

القصة الثالثة

صف البستان

1962 م

دخل احمد, بعد خمسة سنوات, المدرسة. مبتدئا, بصف البستان, التمهيدي. وهذه تجربة جديدة, بالنسبة له .

اشترى له اهله, ملابس جديدة. وكانت مميزة, ونوعها غير معروف, او متداول, في القرية, في ذلك الوقت. فوليُّ العهد, المدلل, لايليق به الا المميز. وليست خسارة ان تتكسر وتتهاوى عرى الفقر امامه ومن اجله .

كانت هذه اللبسة, عبارة عن طقم, مكون من بلوزة, وبنطلون. لونهما اصفر(ترنينج اليوم) .

فرح احمد, بيومه الاول, وبلباسه المميز. لكن فرحته لم تدم كثيرا, اذ اخذ زملاؤه, يالضحك, والسخرية, من لباسه الغريب.  فهو الوحيد, الذي ارتدى, هذا النوع من اللباس. بل كان الرائد فيه. انهم لا يعرفونه قبلا. واخذوا ينعتوه بالسروال .

عاد احمد, في اليوم التالي, يرتدي البلطنون المرقع, والقميص, الذي اكل وشرب عليه الدهر. ليصبح طفل عادي .

القصة الرابعة                                   

الصف الاول                                    

1963 م

انتهى الفصل الاول, في الصف الاول. ووزعت اوراق, على التلاميذ.  فهم احمد, فيما بعد, انها شهادات مدرسيه .

وبينما كان عائدا الى بيته , قابله احد اصدقاء ابيه, في الطريق. وقال له : اه يا احمد دعنا نرى شهادتك !!

ناوله احمد الورقة, باطراف انامله الناعمة . وما ان نظر فيها, هذا الصديق, الغبي. حتي خرجت من فيه. كلمات, لم يتوقع احمد سماعها .

ماهذا يا احمد ؟ اهذه شهادة !! يا ويلك ان رآها اباك.

احمد المسكين, لا يقرأ,.وبالكاد تعلم عدة احرف . فهم انه في ورطة كبيرة .

عاد الى البيت, وقرر ان لا يدع احدا, يرى شهادته. وخبأها تحت فراشه.

مر يوم بحاله, والكل يضغط على احمد, ويسأله . اين شهادتك يا احمد؟ وهو يجيب . لم يعطوني شيئا كهذا .

في صباح اليوم التالي , عثرت الام, على الشهادة, مخبأة تحت الفراش. نادت امه عليه. وما ان رأى شهادته, بين يديها, حتى احمرت وجنتاه خجلا .

استغربت الام, من تصرفات ابنها. وقالت له : غريب انت يا احمد !! لماذا تخفي شهادة  ممتازة كهذه .

القصة الخامسة

النهاية

2010 م

بعد خمسين عام . كبر احمد, واصبح  كاتبا, يروى ايام الطفولة البريئة. التي لن تعود ابدا. او ليترحم على اجمل فترة عمر.