نزهة في البحر
محمد المهدي السقال
القنيطرة / المغرب
رعدة صاعقة غشى هديرُها الحاد فضاءَ المدينة القديمة، ترك روادَََََ المقهى منغمسين في المزايدة على احتمالات التحول في هذه البلاد السعيدة، ماذا بعد هزيمة الحكم والأحزاب في مواجهة الشعب، غير نفض اليد من غبار الأحلام، لم يودعهم كعادته غاضبا من لعبة الانتخابات، قال لزوجته الجالسة القرفصاء أمامه:
لعلها ستمطر أخيرا، ثم همس لنفسه، متى تسقط هذه السماء التي تأخر وعيدها بالحساب والعقاب؟ لم ينتظر تعليقها الساخر، وزاد:
على الأقل، لن تجد الحكومة هذه المرة،حجة للتمادي في كسر رقاب عباد الله بالزيادات في كل ما تتفنن فيه، ذكر لها على سبيل النكتة ، تقدم كثير من الدول بطلباتها لاستيراد أساليب القهر الاجتماعي والسياسي، لكنها لم تبتسم ساخرة مثله، أومضت السماء ببرق متقطع يكسر ملاءة الظلمة في الغرفة عبر شقوق نافذة متهدلة الحجاب، تنبهتُ إلى وشوشة الصغيرين في ركن الزاوية، دون استبانة معنى لحديثهما، ستنبهني إلى تحاشي الكلام في السياسة أمامهما، بل ربما انطلق لسانها الطويل مجددا بالعتب عليّ مما أنا فيه:
ماذا فعلت منذ خمسة أعوام؟ أنت هو أنت، تلعق نفس الأسطوانة المحفورة،أسيادك غيروا حالهم فسايروا الوقت، أما أنت فما زلت تحلم، و ظلت هامدة مثلي تتسمع ما سيعقب العاصفة.
قبل انسحاب آخر نقطة ضوء من قرص الشمس الغاربة، كانت الأرض تعيش يوما عاديا كماضي أيام الأربعين عاما أو يزيد، لم يغير الناس عاداتهم بتظاهر عبادة الأصنام في النهار، حتى إذا تورات عنهم العيون وخلوا لأحزانهم، عادوا إلى الدعاء على تلك الأًصنام بالويل واللعنة، رغم قساوة أحوال الطقس، لم يكن في الأفق ما يؤذن برعد أو برق، قالت الزوجة وهي تداري بكفيها صفير الريح يغالب ما تبقى من فتيل الشمعة الأخيرة،
بقي الجمع متحلقا حول المائدة في انتظار ما ستسفر عنه التقلبات المفاجئة، تبادلنا صمتا موحشا يلفه برد قارس، بينما استغرقت النظرات تموجات ضوء فاتر ينتهي إلى دخان:
- ستكون الليلة باردة أكثر، الله أعلم كيف سيكون الفراش؟
لم تشأ الرد عليّ، ما عاد يستفزها تلميحي كي تلجأ إلى تنييم الصغيرين قبل الأوان.
اقترب'' أحمد'' من أمه متأففا من ظلام يعم الأرجاء ، لعله يتأفف من رغبة تسكن أباه في حضن فراش دافئ، سمعتُه يتشكىّ لأمه من درس الغد في مادة الإنشاء، متحسّراًًًًً على عدم فهمه مطلب المعلم، حدثها عن موضوع في وصف نزهة قام بها التلاميذ على شاطئ البحر:
وأين يكون البحر يا أمي؟
بادرت إلى الجواب: البحر هو الذي نحن فيه يا ولدي، رمقني بطرف و طرفه الآخر على صفحة دفتر بين فخذيه ، و لولا توجسها من غضبي العارم عليها، لكانت ألجمتني واتهمتني ثانية بفتح عيون الصغار، لم يسألني أحمد عن شيء، أحسب أنه صار يفهم لغوي.