نفحات
عبد العزيز أمزيان
السماء ملبدة بغيوم داكنة. الطيور القريبة من سطوح العمارات تحلق-
بوداعة- في أرجائها، ثم ترحل بعيدا في الأفق، وتغيب في السحب كما أنها تتلاشى.جلس –كعادته- على كرسي بلاستيكي جامد وبارد، والذي ينوي أن يستبدله بآخروثير متحرك، حين تسترد له أخته مبلغا ثقيلا، كان قد أعطاه قرضا لها .اشترت به عقد عمل باسبانيا.
قبالة شاشة الانترنيت في البيت، وعلى جانبه الأيمن نافذة عريضة من زجاج يرى من خلالها- من حين لآخر- العالم المقلوب على رأسه، من الطابق الخامس، الذي يسمح له أيضا بأن يفكروهو يرمي بنظراته الى العصافير المحلقة في السماء.
الأم التي جاءت من مدينة تحبها حد الموت،لتشاركه الأيام وتتقاسم معه الحياة في بعض تفاصيلها – لوقت غير مسمى- تركت هناك عمرا وتاريخا طويلا، تجره معها في كل اللحظات، وتستعيده في صمت البيت وسكون الليل.
المرض عذبها،ونخر عظامها ، الألم لا ينقطع عنها لا في الليل ولا في النهار.لم ينفع معه دواء طبيب، ولاتمائم فقيه، ولا حتى لصوق وضعها لها على جنب رجلها الأيمن من يقولون عنه أنه ورث بركة الأجداد.
الأوقات التي تبقى فيها وحيدة في البيت ، تنهض رغم مرضها وتقوم ببعض الأشغال التي يكون بمقدورها أن تغالبها.
الزوج التي لم يقدر لها أن تحمل، منذ ثلاث سنوات من الزواج، تجدها ﺇما منهمكة في تهييء درس من دروس اللغة الثانية لأقسام الثانوي التأهيلي أو تعبئة دفتر النصوص بالمعلومات المطلوبة أو تقوم بأعمالها الاعتيادية تجاه البيت.
مرات كثيرة حمد الله في نفسه على جميل الصدف التي جمعته بهذه المرأة الحنون العطوف ذات الطبع الهاديء الرزين.وهو الآن عندما يتذكربعض الأحداث التي جرت في الأشهر الأولى من زواجهما يراوده الندم ويتأسف على ما صدر منه من غلظة طبع وقسوة قلب .
قال لها ذات مساء وهما يجلسان في ﺇحدى مقاهي المدينة قبالة البحر׃ إن التجارب القاسية التي يمر منها المرء ، تترك في نفسه آثارا سيئة تجعله يتصرف-أحيانا- بغضاضة .ابتسمت في وجهه وطبت منه أن يتأمل منظر الشفق الذي كان يسحب معطفه- برفق- من الأفق في البحر، ليتوارى عن
الأنظار.