عودة الروح القدس إلى دنيا الكروب
[email protected]
هبط الروح القدس, وجد الأرض عامرة, لم يكن فيها قبل كل هذا الضجيج, كان الإنسان
أكثر بساطة, أقل غطرسة, لم تبهره صروح الحضارة التي تراءت أمامه, قال في سره:
"لا بد أن خلف هذه العظمة تكمن مأساة ما, فلا غنى فاحش إلا و خلفه إملاق مدقع"
ساعة الجوع
شاهد من علٍ مقبرة, بحث فيها عن السكون المفتقد, لكنّه وجدها عامرة بعائلات فقدت
المأوى و سكنت المقابر, أطلّ من فوهة قبر وسأل ساكنه الحي:
" ماذا تريد؟"
قال:" أريد أن أكون فقيرا"
"الست فقيرا اليوم؟"
"لا الفقر ترف بالنسبة لي, إنما شكواي من الجوع, الفقر يا سيدي أن لا يفيض عن حاجتك
شيء, أو أن تحرم بعض الحاجات, أما أنا و عيالي فلم نذق الزاد منذ يومين!!"
"غريب أمرك أيها الإنسان فقدت فردوسك و ها أنت تعيش في دنيا من الكروب "
سقطت دمعتان من عيني الملاك وما إن لامستا تراب قاع القبر حتى استحالتا درّتين.
ساعة الفساد
لا حظ الروح القدس عائلة تفترش الأرض و تلتحف السماء, كان بيد رب العائلة رزمة من
العرائض, سأله عن حاجته فقال: "هدم شارع, شيدته البلدية, بيتي, و وعدوني بتعويض أو
بسكن آخر, لقد مرّ شتاءان و صيفان ولم احصد سوى الوعود, الجميع يتهرب من التوقيع
على هذه العرائض, الجميع يقول هذه ليست مسؤوليتي".
"أنت تعاني إذن من سوء الإدارة"
"لا فسوء الإدارة ترف بالنسبة لي, أنا يا سيدي أعاني من الفساد, فقد عرض السماسرة
علي التخلي عن نصف حقوقي لقاء وضع الأختام على هذه الأوراق المكدّسة".
"غريب أمرك أيها الإنسان فقدت فردوسك و ها أنت تعيش في دنيا من الكروب "
سقطت دمعتان من عيني الملاك وما إن لامستا الأوراق حتى استحالتا أختاما على الورق
الأغبر.
ساعة الظلم
ثمة أنين تناهى إلى سمعه, لم يكن الروح القدس يتوقع أن بشرا يتنفسون تحت الأرض,
كان الوصول إليه أكثر صعوبة بسبب الأبواب المحكمة الإغلاق, وكثرة الحـرّاس, سأل
الملاك الرجل الذي يئن و هو يرفل بقيوده:
ـ:" من أنت؟" فقال:
ـ: " أنا بقايا إنسان أوصدت الأبواب عليه, منذ عشرين عاما, بلا تهمة و لا محاكمة!!
ـ: " وماذا تريد؟"
ـ: " أحلم بالدكتاتورية"
ـ: " كيف؟ ألست في حضنها؟"
ـ: " الدكتاتورية ترف بالنسبة لي, لأن ما أعانيه هو الاستبداد"
ـ: " ما الفرق؟"
ـ: " الدكتاتور يعصي أوامر المحاكم أو المؤسسات والمستبد يلغيها, هو يضيّق الخناق
على المعارضة و المستبد يسحقها, وهو يعبّر عن مصالح شريحة والمستبد يعبّر عن مصالح
عائلة, وقد يموت الدكتاتور فقيرا, أما المستبد فلا يفرق بين ماله والمال العام"
"غريب أمرك أيها الإنسان فقدت فردوسك و ها أنت تعيش في دنيا من الكروب "
عجزت دمعتان أن تذرفا من عيني الملاك, وعاد إلى السماء ليكتب تقريره و من ثمّ
يتساءل:
" لماذا لم تحن الساعة حتى هذه الساعة؟!!"