بطبوط المشاغب
بطبوط المشاغب
كريمة عبد الرزاق
في قديم الزمان يحكى يا أحباب، والحكي لا يحلى إلا بعد الصلاة على النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وبعد:
كان هناك بطة جميلة، صافية القلب ، وديعة الطبع، تسكن بركة ماء آمنة وهادئة، وكان لها ولد بطبوط وبنت بطبوطة، ربتهم على التماسك والحب والأخوة.
كانت الأم بطة حريصة على سلامة أبنائها فكانت تخرج بنفسها لإحضار الطعام لهما، وتأخذهما إلى النزهات معها، وكانت دائمة التحذير لهما من الأخطار المحيطة بهما إن هما خرجا من البركة الآمنة ودخلا الغابة المظلمة.
كانت بطبوطة هادئة ومطيعة، وكان بطبوط كثير الحركة محبا للاكتشاف ولا يخاف المغامرة.
في يوم من الأيام وقبل أن تخرج الأم لإحضار الطعام اجتمعت ببطبوط وبطبوطة وأوصتهما ألا يستمعا لأحد مهما كان وألا يبتعدا عن ضفاف البركة.واتجهت إلى الطريق وهي تقول لهما:" إياكما والتحدث إلى الغرباء فإنه يقال أن أحد الغرباء قد حضر إلى نواحي بركتنا، وإنني أخاف عليكما من أن يأخذكما إلى مكان ما أو يجركما إلى خطر".
ردت بطبوطة بوعد لأمها أنها لن تكلم الغرباء، وأنها لن تبتعد عن البركة.
ومضت الأم وهي مطمئنة لوعد بطبوطة، غير أن بطبوط وما إن اختفت أمه عن ناظريه حتى راح يصرخ ويتذمر من كلامها.حاولت بطبوطة أن تفهمه أن أمهما أكثر معرفة وحكمة منهما، إلا أنه قال لها:" أنا كبرت وأعرف جيدا كيف أتعامل مع الغرباء، إن أمي تحاول أن تبقينا دائما صغارا نتبعها ودائما وراءها، أف لها، لقد مللت من نصائحها".
غضبت بطبوطة من كلام أخيها، وردت والغضب باد على وجهها:" إنك ولد عنيد لا تقدر خوف أمي علينا، إنك بقولك هذا تؤكد لي أنك ما زلت صغيرا لم تكبر قط".
وانصرفت بطبوطة تاركة بطبوط محاولة منها أن يبقى وحده ويفكر فيما قالت
لكن بطبوط اتجه نحو الغابة و مضى يمشي في طرقها الكثيفة بالأشجار إلى أن وصل إلى بركة أخرى, و بدا الخوف يتسلل إلى قلبه؛ فقد ظل طريقه إلى بركته الهادئة و اقترب ببطيء ليرى هذه البركة و من فيها فإذا بضفدع يظهر فجأة أمامه. خاف بطبوط وكاد أن يقع أرضا ، لكن الضفدع سارع بإمساك يده وقال متسائلا:" من أنت؟ ومن أين أتيت؟".
قص بطبوط على الضفدع قصته كلها ثم قال له:" أظن أنني قد أخطأت حين تركت البركة دون علم ماما وبطبوطة، هل تدلني على طريق العودة؟"
ضحك الضفدع عاليا و قال له:"إنك ولد جبان.استظل دائما تسير خلف أمك؟ انظر إلي أنا ضفدع صغير لكنني قررت ان استقل بحياتي, و أن أعيش دون نصائح أمي و لا أوامر أبي, فقد تركت منزلنا و جئت هنا لأعيش حياتي كما أريد, أنام وقتما أريد و ألهو طول النهار, إن الحرية شيء جميل".
قال بطوط:"لكن أمي تقول إن الحرية ليست أن تفعل ما تريد, و لكن الحرية أن تعيش حياة منظمة, فوقت للعب و آخر للجد".
سخر الضفدع من كلام بطبوط, اخبره انه مستعد أن يكون صديقا له, و يستطيع أن يبقى معه في البركة إن شاء ذلك.
تردد بطبوط لحظة و هو ينظر يمينا و يسارا، و أدرك أنه في حاجة إلى من يكون معه خاصة و أن الليل بدأ في نشر ظلامه، فقرر أن يبقى مع الضفدع حتى الصباح.
بات بطبوط يتقلب في فراشه الجديد، و لم يستطع النوم طيلة الليل؛ فقد ألف النوم مع أمه و بطبوطة. لكنه كان يردد في نفسه قول ضفدع له أن الحرية جميلة و يحاول أن يقتنع بها.
وفي البركة الهادئة جاءت بطبوطة لترى بطبوط أملا منها أن تجده قد ندم على ما قاله, لكن المفاجأة التي كانت تنتظرها كانت كبيرة. إن بطبوط غير موجود هنا, جرت بطبوطة في كل الاتجاهات و هي تنادي:"بطبوط.....أين أنت يا أخي؟ رد علي أنا بطبوطة ... بطبوط..." لكن دون جدوى, فلا أحد يجيب. خافت بطبوطة كثيرا، و جلست في مكانها تبكي و هي حزينة، و بعد مدة قدمت أمها و الطعام في يدها. أسرعت بطبوطة في اتجاهها و هي تبكي:"أمي لقد رحل بطبوط, لا أثر له هنا." اندهشت الأم لما قالت بطبوطة و صرخت قائلة:"رحل و لكن كيف ؟ و إلى أين ؟ بطبوطة ماذا حدث ؟" قصت بطبوطة لأمها كل ما حدث من ساعة خروجها لإحضار الطعام إلى عودتها وهي تبكي. حاولت الأم أن تهدأ من خوف بطبوطة و حضنتها و هي تقول :" اهدئي يا ابنتي, لن يحدث له شيء, سيعود بعد قليل."
كانت الأم تقول هذا و قلبها يدق خوفا على بطبوط فهو لم يتعود الخروج وحده إلى الغابة.
انطلقت الأم مع ابنتها في البحث عن بطبوط في كل الاتجاهات, لكن دون جدوى, فعادتا إلى البركة بعد أن بدأ الظلام يخيم على الغابة و باتت الأم و بطبوطة لا يعرف النوم طريقا إليهما.
أصبح اليوم التالي فنهض ضفدع و هو يتثاءب متثاقلا، ووجد بطبوط قد أستيقظ قبله و جلس مهموما, فتقدم منه و هو يحييه:"صباح الخير يا بطبوط, ما بك ؟ ألم تنم جيدا البارحة؟", رد بطبوط :"لم أنم أصلا." فانفجر ضفدع ضاحكا و هو يقول:"أما زلت تفكر في أمك و أخت؟، أنت حقا ولد صغير،لا شك أنهما باتتا نائمتين و لم تفكرا فيك مطلقا." غضب بطبوط من ضفدع. لكن ضفدع أسرع قائلا :"إنني أمزح فقط أريد أن أسيلك و أبعد عنك الهم، هيا تعال معي سأريك مكانا جميلا لم تره في حياتك" و تبع بطبوط ضفدع إلى طريق ضيق في قلب الغابة.
ما إن أرسلت الشمس أشعتها في الصباح حتى بدأت الأم و بطبوطة البحث عن بطبوط بعد أن قضتا الليل كله تفكران أين يمكن أن يكون؟. سارت الأم
و بطبوطة في طريق كثيف الأشجار حتى خرجتا إلى ساحة خضراء بها بركة ماء, اتجهت الأم نحو البركة و صاحت :" لقد نام هنا، إنها رائحته إنني أعرفها جيدا." جرت بطبوطة نحو البركة و أخذت تنادي بكل قوتها:" بطبوط أين أنت يا أخي؟" و اتجهت نحو كل الأماكن المحيطة بالبركة, و لكن لا وجود له.
تنبهت الأم للطريق الضيق المؤدي إلى الجهة الأخرى من الغابة و صرخت في هلع :" يا ويلي أيكون قد سلك هذا الطريق؟" لم تفهم بطبوطة لما خافت أمها من هذا الطريق، فأخبرتها أمها أنه طريق يؤدي إلى واد عميق به أخطار كثيرة فهو مأوى التماسيح.
تبع بطبوط ضفدع و هو شارد الذهن يفكر في أمه و بطبوطة و كيف قضتا ليلتهما, و لم ينتبه إلا لصوت الماء يندفع في قوة، و لم يحس إلا بيد ضفدع تهزه و هو يقول له :" أنظر يا بطبوط إلى هذا المكان الجميل، و إلى هذا الجو البديع، أليس هذا أجمل من بركتك مع عائلتك؟"
رأى بطبوط أمامه منظرا رائعا، و أحس كأنه يرى الدنيا الأول مرة، و صرخ في فرح :" آه يا صديقي، ما أجمل هذا المكان و ما أروع منظره، إنني لم أرى من قبل جمالا كهذا..." و لم يكمل عبارته حتى وجد نفسه في وسط هذا الماء الهائل و قد رمى به ضفدع إليه، و رمى نفسه من بعده، و بقيا يلعبان بالماء و يسبحان دون وعي منهما بما يجري حولهما.
لم ينتبه ضفدع و بطبوط للخطر الذي كان يحيط بهما؛ إذ كان يسكن في هذا الوادي تمساح كبير، و قد أيقظه صوت ضفدع و بطبوط و هما يلعبان، فاختفى بالقرب منهما و هو ينتظر الفرصة السانحة كي ينقض عليهما,
و أخذ يقترب خطوة, خطوة في هدوء و ما إن فتح فمه لينقض على ضفدع حتى وقع فوق رأسه حجر كبير، و سمع بطبوط صوت بطبوطة و هي تصرخ و أمه تناديه أن ابتعد يا بطبوط. و ما إن أنتبه بطبوط و ضفدع حتى عاد التمساح الكبير للظهور و هو غاضب و اتجه نحوهما و هما يسرعان للخروج من الماء، لكنه كان أسرع منهما أغلق فمه على رجل ضفدع، فصرخ ضفدع متألما و هو مذعور:" آه، يا ويلي، أكلني التمساح. أسرع يا بطبوط قبل أن يأكلك أنت أيضا، هيا ابتعد."
ذهل بطبوط لما رأى و بقي في مكانه لا يستطيع حراكا و قد تملكه الخوف. أسرعت الأم بضرب التمساح على رأسه بجذع شجرة، و ما إن فتح فمه حتى أخذت بطبوطة حبلا و رمته لضفدع ليتمسك به.
استدار التمساح مغادرا المكان بعد أن أوجعته الأم بطة ضربا على رأسه.
كان ضفدع و بطبوط قد خرجا من الوادي، و بطبوطة تضمد جرح ضفدع, أسرع بطبوط نحو أمه و ارتم في حضنها و هو يبكي و يقول :" سامحيني يا ماما لن أعيدها ثانية، و لن أخالف أوامرك ما حييت."
استدار ضفدع نحوهم و شكر الأم بطة و قال لبطبوط :" سامحني يا بطبوط ما كان علي أن آتي بك إلى المكان الخطير، لقد كدنا أن نكون طعاما للتمساح، لقد أخطأت حين ظننت أن الحرية أن تعيش وحدك، إن العائلة شيء جميل."
و قالت بطبوطة و هي تتجه نحو أخيها:" ألم أقل لك يا بطبوط أن ماما أكثر معرفة منا،و هي تخاف علينا، أرأيت كيف عرضت نفسك و عرضتنا للخطر معك بسبب عنادك و طيشك."
احمر وجه بطبوط خجلا و قال :" لن أبتعد عن أمي بعد الآن، و سأفعل ما تقوله لنا، و أنا آسف على كل ما قلته و فعلته."
)قال الله عز وجل:
وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف و لا تنهرهما و قل لهما قولا كريما* و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا*) (الآية: 23/24 .الإسراء)