نبضات قصصية

جمال الدين الخضيري

جمال الدين الخضيري

[email protected]

قارئة الفنجان

تمعنتْ في قعر الفنجان وحدقتْ في قسماته جيدا حتى استقرت نظراتها على شفتيه وبعد هنيهة قالت:

- ستحتسي كل فناجين المقاهي وستمارسك الأرصفة والطرقات.

عادت تتمعن القعر من جديد. قطّبت حاجبيها. بدا التيه على وجهها. قال لها:

- هل من مستجد؟

ردت وهي تهز كتفيها:

- لاشيء، مجرد زوبعة في فنجان.

بطل تراجيدي

يحيرني أمر هذا الكائن المفلطح. كلما طويت صفحة منه إلا وتجذبني صفحة أخرى، فتمتلئ عيناي بالدموع. يا له من بطل تراجيدي..! عفوا، يا له من "بصل طاجيني"! أذبحه من الوريد إلى الوريد فتتساقط وجوهه أمامي. لا يمكن للمرء أن يكون محايدا في حضرته. عندما تنسدل المقصلة تنسدل معها العبرات.

العتّال

قدم من المهجر.. انقلب رأسا على عقب كأنه ليس من أعطان هذا المدشر المترامي بين سفوح الجبال والنسيان.

ركن سيارته الفارهة جانبا. أومأ إليها بمفتاحه، نقّت وآب سقفها إلى مستقره. دخل إلى الدكان بخطى غير الخطى. اشتهى بحواسه جميعا. انتقى ما انتقى. كدس الدكاني ما حازه الزبون في كيسين بلاستيكيين.

قال بصوت آمر متكسر:

- هل من حمال يحمل بضاعتي إلى السيارة؟

سكت الدكاني برهة. انتفضت مجموعة من الأجوبة في ذهنه.. قرر أن يجيبه بإحدى هذه العبارات:

- الحمال أرسلناه إلى المهجر

- الحمال موجود في المتجر

- الحمال غادر المدشر

بعوضة

ما كدت أغفو في نومي حتى حرمته علي بعوضة سليطة بأزيزها المزعج وقرصها الأليم . بت أبحث عنها في ثنايا الجدران وخلف الستائر، لكن دون جدوى. تقلبت على أكثر من جنب. نبتت في جسدي مصابيح لا تريد الانطفاء. تعجبت كيف تأتّى لهذه الحشرة أن تقوم بقلبي وتحريكي بهذه السرعة وأنا البدين الثقيل. ضاقت بي الدنيا بما راقت، وتيقنت فعلا أنها لا تساوي عضة بعوضة.