صدى

حسين راتب أبو نبعة

حسين راتب أبو نبعة

[email protected]

جامعة الملك عبد العزيز

كلية المعلمين بمحافظة جدة

قال الفتى: عندما راجعت الطبيب المختص كنت أعتقد أن المسألة لن تتعدى اعطاء بعض الادوية بعد اجراء بعض الفحوصات الروتينية . قمت بأخذ بعض الصور والتحاليل المخبرية التي طلبت مني ، قدمتها بحذر ، تأملها الطبيب ورأيته يدقق في تقرير مرفق كتبه اخصائي الاشعة فازداد قلقي وأنا أرى على حاجبيه امارات القلق و الحيرة.

-         ثمة ضرورة لادخالك المستشفى – قال الطبيب بشيء من التوتر و أضاف و هو يعبئ  أمر الادخال الفوري " امامنا مزيد من المتابعة فالوضع بصراحة غير مطمئن ، و ما هي الا دقائق حتى تمت اجراءات الدخول للغرفة  116 فازداد قلقي  حيث تذكرت قصة غسان كنفاني " موت سرير رقم 12.مع رؤية السرير والملايات البيضاء تضخمت الهواجس عندي و دخلت مدارات جيدة ، لم تكن هناك خيارات أمامي سوى التمدد على السرير و انتصب أمامي حامل معدني يتدلى منه كيس التغذية.

أوجست خيفة و شعرت أن المسألة تتعدى مجرد فحوصات أولية و ان " وراء الاكمة ما وراءها ". كانت هناك فترات صمت و تأمل بعد انتهاء الجولة الاولى للممرضين والاطباء ، و عبر النافذة تتسلل نظراتي للحديقة المجاورة في الفناء الخلفي.. في اليوم الثالث جاء طبيب شاب و قال : تهيأ ، فالمؤشرات تشجع على اجراء العملية الساعة الثامنة صباح الغد...بالسلامة ، وعاد سريعاً ، و عشية اجراء العملية قام الممرضون ببعض الفحوصات الاضافية و مع حلول الليل كانت الاستعدادات قد تمت و النفس قد تهيأت.اسمع مع الساعات الزاحفة و الترقب فحيحاً كالأفعى المجلجلة التي تتأهب للانقضاض على فريسة محتملة بين الأعشاب ، أشعر بقشعريرة من نمط جديد لم يألفه جسدي ثم أعود فأتحوصل داخل صمتي فالمكان الذي أنا فيه بعيد عن الرومانسية و مثقل بالغموض.ينتابني شعور بأني قريب من الحياة و متشبث ببعض الامال التي لم تتحقق بعد و يتقاطع  ذلك مع شعور آخر بأنني أدنو من قدر محتم لا فرار من نيوبه. تضاءلت الحياة و تقزمت حتى أصبحت طيفاً أو خاطرة أو سراباً خلب....نهضت قليلا و تجولت في غرفتي أسمع أنين بعض المرضى و مشيت في أحد الممرات أتامل وجوه العابرين ثم عدت لاتمدد في فراشي. كان الانتظار ثقيلا كالموج الذي يجتاحني في بحر هائج و كنت كغريق أتشبث بأهداب أمل خفي.

قبيل الثامنة حضر عدد من الممرضين و تأكدوا من جاهزيتي و ما هي إلا ثوان حتى تهادت أمامي عربة خاصة لتأخذني لقسم العمليات بعد أن ارتديت رداء أخضر.تندفع عبر ممرات المستشفى يميناً و يساراً ثم تختفي داخل أحد المصاعد الكبيرة. كانت نظرات بعد من تصادف وجودهم بالمصعد ودعواتهم لي بالسلامة تخيفني ، كنت ارمقهم بعيون نصف مفتوحة وكانت الصورة ضبابية و الخوف يرخي ظلاله القاتمة.و ما هي إلا دقائق حتى كنت في غرفة العمليات أستمع لارشادات طبيب التخدير

-         خذ نفسا عميقأ . قال الطبيب بنبرة تبعث على الطمأنينة. التزمت بارشاداته وسرت طمأنينة في النفس بهدوء كما تسلل التخدير في عروقي

كما أن الموت حقيقة ثابتة لا يختلف عليها عاقلان فلم الخوف ، همس شيء ما بداخلي وأنا  بين الصحوة والاغفاءة.

·        مدرس لغة  بكلية التربية بجامعة الملك عبدالعزيز