اللص الأكبر
م. محمد حسن فقيه
انقض عليه اللصوص الثلاثة عازار وناحوم وصديقتهم راشيل ، حين كان يعمل في بيارته الخصبة المتربعة فوق تلة عالية كانوا يحملون رشاشاتهم الألية وعلامات الشر والإجرام تقدح من عيونهم وتتطاير شررا ، وتطفح صدورهم غلا وحقدا ، وتمتلأ نفوسهم كراهية وبغضاء ، أطلقوا رصاصهم باتجاهه وهددوه ، ثم أمروه أن ينكب على الأرض منبطحا ليدس أنفه في التراب ويعفر وحهه فيه ، ويشبك يديه ويعقدهما خلف ظهره ، ثم أطلقوا رصاصهم جانب رأسه إمعانا في إذلاله وترويعه ، وأمروه أن يبقى على حاله هذا لايقوم بأي حركة وإلا ....
حصدوا الزرع ، قطفوا الثمار ، حولوا مجاري السواقي والأنهار ، قلعوا الأشجار ، وساقوا أمامهم ماشيته وأنعامه .
اغتصبوه مزرعته بعد أن صلبوه على بابها ، ثم انطلقوا يتابعون مهمتهم إلى مزرعة أخرى من مزارع جيرانه .
بعد أن ابتعدوا عنه انتفض بجسده المصلوب وأطلق صيحة مدوية فهرع إليه أبناء العشيرة يتقدمهم الزعيم فحلوا وثاقه وفكوا رباطه ، ثم أطلق الزعيم صرخات مدوية ، فقد أدان واحتج ، هدد وندد ، شخر ونخر ثم شجب واستنكر.
سمع اللصوص الجلبة والصياح فعادوا أدراجهم يستطلعون الخبر ، ويستقصون ذلك المغوار صاحب الشجب والاستنكار ، وهم يطلقون برصاصاتهم الحمقاء جهتهم ، فر الجميع بعيدا واختفوا عن الأنظار، إلا صاحب البيارة المسكين فقد لحقوبه وأمسكوه لأنه لم تسعفه رجلاه على الجري بقوة والفرار، فمازال جسده منهكا من الضرب والصلب والقيد .
انهالوا عليه ضربا ولكما وصفعا وركلا، حتى انهكوا جسده المهدود ، فأمسكوا به من تلابيبه ورفعوه للأعلى ، أوقفوه على قدميه ، اوثقوا ربط يديه ، قيدوا رجليه بالسلاسل والزرد ، كمموا فاه بعصابة رأسه ، طوقوا عنقه بحبل حريري ناعم دقيق ، ورفعوه على صخرة عالية تحت أيكة ضخمة وارفة الظلال ، وربطوا الحبل بساق أحد الأغصان المرتفعة ، ثم تركوه يندب حظه وينتظر حتفه ، ومضوا يكرروا فعلتهم في المزارع الأخرى ، فهو غير قادر حتى على إطلاق صرخة الاستغاثة .
شاب جلد ساقته قدماه إليه من مزارع جيرانه والذي يعمل حارسا عند عازار وأصحابه ، يحمل كيسا على عاتقه ، نظر إليه فرأى فبه المنقذ والمخلص ، فهو من عشيرته وأبناء جلدته ، ظنه ملاكا هبط عليه من السماء ، وحدثته نفسه لا شك أن هذه كرامة قد حصلت له ببركة دعاء الأم ونفسها المحطمة وقلبها المنفطر .
تقدم الشاب نحوه بهدوء ، فك وثاق يديه وحررهما له ورمى بالحبل جانبا ، كسر قيد الزرد والسلاسل من بين رجليه ورمى به جانب الحبل ، دس يده يفتش في جيوبه ثم فلبهما وأفرغ ما وجد داخلها في يده وأودعها في جيبه ، خلع عنه جميع ملابسه وعراه من كل شيء إلا سروال قصير تركه عليه يستر عورته ، والرجل ينظر إليه بدهشة وغرابة ، فكل ما يهمه أن يطلق سراحه ويقطع الحبل الذي يطوق عنقه عدا أن فمه مازال مكمما والعصابة المبرقعة بالأبيض والأسود مازالت مشدودة عليه .
جمع الشاب السلاسل والحبل والثياب ودسها في كيس كان معه وهم أن يمضي في طريقه ويترك الرجل ابن عشيرته معلقا بالشجرة ومربوطا من عنقه ، اضطرب الرجل يشير بيديه ويلوح بهما وهو بشير إليه ويستنجد به ليقطع ذلك الحبل الحريري الناعم الدقبق الذي يطوق عنقه ، وقد ترك آثاره على عنقه وكاد أن يقطع أنفاسه .
التفت الشاب إليه ثم عاد أدراجه نحوه لعله قد أشفق عليه وغير رأيه - ولو كان لصا - وقرر أن ينقذه ويخلص عنقه من ربقة ذلك الحبل ، اقترب الشاب منه ، نظر إلى الحبل الحريري ، أخرج سكينه الحادة ، أمسك بذقن الرجل ، رفعه للأعلى ، مرر شفرة سكينه الحادة بسرعة خاطفة ، قطع أوداج الرجل وحنجرته ، أكمل قطع الرأس حتى تدحرج على الأرض ! .
أخرج الحبل من عنقه ، قطعه من الطرف الآخر ، فك العصابة عن رأس الرجل بعد أن حررها من فيه ، دس بها في كيسه ، ربط الكيس بالحبل الحريري ، رفع الكيس على كتفه ، وألقى به على عاتقه ، ثم مضى متابعا طريقه إلى مزرعة أخرى ! .