أنت صادق أيضا
نبيل عودة
كاتب , ناقد وصحفي فلسطيني – الناصرة
وقع خلاف بين أصحاب المزارع . كانت المزرعة الأولى تقع على شاطئ النهر ، وبقية المزارع لا طريق لوصول قطيعها الى الماء الا بالعبور عبر المزرعة الأولى . وكان عبور القطيع عبر الأراضي المزروعة يترك دمارا كبيرا للمزرعة الأولى .صاحب المزرعة المتضررة حاول منع قطيع الأخرين من عبور أراضيه الى النهر ..ووصلت القضية للقضاء.
جلس القاضي ينظر في الشكوى وفي الرد على الشكوى.. وكان مساعده بقربه يدون تفاصيل الجلسة. اعطي الكلام لصاحب الدعوى ليشرح مشكلته:
- سيدي القاضي .. أملك مزرعة على ضفاف النهر.. ورثتها أبا عن جد .. ولكن قطيع المزارع المجاوره يدمر زرعي كلما عبر الى النهر.. وهذا أمر يسبب لي الخسائر الكبيرة ولم يعد محمولا... ومن حقي ان احافظ على زرعي وأمنع قطيعهم من العبور في أرضي.
فكر القاضي وأجاب:
- انت صادق .. هذا حقك .
وتوجه لأصحاب المزارع الأخرى
- لماذا تصرون على المرور من أرضه وتسبيب الأضرار الكبيرة له ؟
انتدبوا متحدثا عنهم . وقف وقال:
- سيدي القاضي ، قطيعنا سيموت عطشا اذا لم يصل الى النهر ليشرب الماء . أجدادنا وأباءنا ونحن من بعدهم نستعمل هذا الطريق منذ مئات السنين. وهذا يعني انه يحق لكل راع الوصول مع قطيعه الى مصادر المياه عن طريق المزرعة الأولى كما كان متبعا دائما. ومنعنا يعني موت قطيعنا وافلاسنا .
قال القاضي بعد تفكير:
- حقا .. انتم صادقون .
واجلت الجلسة لموعد آخر لاصدار الحكم .
كان مساعد القاضي يستمع ويسجل ، وسؤال كبير يجول في خاطره . قال بعد ان اختلى بالقاضي:
- يا سعادة القاضي ، لا يمكن ان يكونوا جميعهم صادقين ؟!
نظر اليه القاضي وقال:
- أجل .. أنت صادق أيضا !!