الزوجات المخلصات
الزوجات المخلصات
حكاية شعبية
جميل السلحوت
منذ زمن بعيد كان لأحد شيوخ قبائل جنوب فلسطين امرأة يحبها حبا جما ، ولكن القدر فجعه بها وتوفيت وهي في ريعان شبابها، فحزن حزنا شديدا عليها وأقسم ان لا يتزوج من نساء القبيلة بعدها . وبعد سنة من وفاتها ركب فرسه وسار الى أحد القبائل التي تسكن في منتصف البلاد، وحلّ ضيفا على شيخ تلك القبيلة . فرحب به اجمل ترحيب وأكرمه بما يليق بمقامه كشيخ قبيلة . ولما انتهت مدة ضيافته وهي ثلاثة ايام وثلث ، طلب الشيخ الضيف الزواج من ابنة الشيخ المضيف، فوافق الثاني بعد مشاورة ابنته التي اشترطت بدورها ان يدفن زوجها معها اذا ماتت وتدفن معه اذا مات هو، فوافق على شرطها . فجهز لها ابوها ما يليق ببنات الشيوخ وأرسلها في قافلة محملة بالهدايا مع نفر من قبيلته حتى اوصلوها قبيلة الشيخ الضيف ، وهناك تزوجها في ليلته . ولما اصبح الصباح قام شيخ القبيلة العريس عابس الوجه فسألوه عن سبب حزنه، فقال لهم بأنه أفاق في الصبح فوجد زوجته ميتة . ولما ذهبوا ليحفروا لها قبرا أمرهم بحفر قبر لاثنين، وأخبرهم عن شرطها ، ولما حاولوا ان يقنعوه بأن لا يدفن نفسه رفض ، وفي عصر ذلك اليوم تم دفن الاثنين ، الزوج والزوجة .
وعندما بزغ فجر اليوم التالي للدفن، نهضت الزوجة "الميتة" فقال لها زوجها بانها ماتت، وانه قد دفن نفسه معها، فأخبرته بأنها حية ترزق ، وجاءت قريبات الزوج ليبكينه في قبره فأخذا يصيحان من داخل القبر، فسمعن صوتهما وحفرن القبر عليهما وأخرجنهما .
وأخذت قصتهما تنتشر بين الناس، وذلك بأن رجلا دفن نفسه مع زوجته الميتة وأنهما عادا الى الحياة في اليوم الثاني . ووصلت قصتهما الى شيخ قبيلة من قبائل الاردن، وكان هذا الشيخ متزوجاً من ثلاث نساء، فأقسم أن يطلق نساءه ان لم يستطع احضار تلك المرأة صاحبة القصة . وركب فرسه وسار في طريقه الى ان وصل مدينة القدس، وهناك اشترى بعض الحلويات والقهوة العدنية ، والفواكه اللذيذة، وواصل مسيره الى ان وصل الى قبيلة الشيخ صاحب القصة . وحل عليه ضيفاً فأُكرم وفادته، ونحر بعض أغنامه قرى للشيخ الضيف، ولما قدم له الطعام ، قال هذا الطعام لا نحبه، وأخرج بعض الحلوى وقال : هذا طعامنا المفضل ، فأكل منه المضيف والحضور ، ثم قال الضيف : أعطوا قليلاً منه لربّة البيت . فأعطوها ، وقد سروا كثيرا لهذا الطعام وخصوصاً أنهم لم يأكلوه من قبل طيلة حياتهم .
ولما قدموا له القهوة قال : هذه ليست كالقهوة التي نشربها في بلادنا ، فأعطوه ( الدلة ) وعمل قهوة عدنية مبهرة من التي يحملها معه . ففاحت رائحتها في البيت فشربوا وتمتعوا بها ، فطلب منهم ان يعطوا فنجاناً لربّة البيت أيضاً . ففعلوا .
وبعد أن سهروا الى ساعة متأخرة من الليل، وضعوا فراشهم ليناموا، وبعد أن غطوا في نومهم ، خرجت ربة البيت الى شيخ القبيلة الضيف وأيقظته، وطلبت منه ان يهرب بها الى قبيلته فوافق وهربا .
وعندما أصبح الصباح ولم يجد الشيخ امرأته والضيف، عرف ما حدث وجلس دون أن ينبس ببنت شفة .
وبعد مدة ليست ببعيدة جاء بعض الشعراء الى مضارب القبيلة ليتكسبوا بمدح شيوخها . وكان من ضمن أشعارهم ان تحدثوا عن امرأة هربت من هذه القبيلة مع شيخ من قبائل الاردن، وهي الآن تنام مع الكلاب، وتأكل وتشرب من اكلها وتشرب من مائها ، وعندما سمع الشيخ هذا الكلام، ركب فرسه وقصد القبيلة الاردنية، وحلّ ضيفاً على شيخها الذي اختطف زوجته، فأكرمه وأحسن وفادته، وطلب منه أن يمكث عندهم شهراً كاملاً .
وبعد اسبوعين طلب شيخ القبيلة الاردنية من والدته أن تتزوج شيخ القبيلة الضيف : فقالت له كيف أتزوجه وأنا امرأة عجوز وشعري أشيب وأسناني قد عفا عليها الدهر ؟. لكنه أقنعها ووافقت في النهاية .
ولما نامت العجوز مع زوجها الضيف قال لها : بأنه لن يلمسها الا اذا قامت وقتلت ابنها ،ولما رأته مصمماً على طلبه ،حملت الخنجر وقصدت ابنها الذي تعود ان ينام بين الابل والاغنام ويتغطى " بفروة " وكان الابن قد وضع تحت غطائه قربة مليئة بالدماء وغير مكان نومه .
فذهبت الأم وغرست الخنجر في المكان الذي تعودت ان ترى ابنها ينام فيه، فخرج الخنجر ملوثاً بالدماء، فحملته وعادت به الى العريس الضيف الذي أبى معاشرتها بعد ذلك وقال : أنا لن اعاشر امرأة تقبل قتل ابنها .
ولما اصبح الصباح ورأت العجوز ابنها يتمشى بين ابله وأغنامه، أخذت تعض اصابعها ندما وخوفا، في حين ان شيخ القبيلة الضيف استأذن للعودة الى مضارب قبيلته، فجهز له المضيف الهدايا، واعطاه زوجته القديمة والزوجة الجديدة " اي العجوز والدة المضيف " فسار في طريقه عائدا الى اهله، ولما وصل نهر الاردن قال لزوجته الاولى : اذا كنت تحبين الحلوى الى هذا الحد فلماذا لم تطلبي مني كي اشتري لك منها؟ وقطع رأسها والقى بها في النهر . وقال للزوجة العجوز أما انت فلماذا قبلت قتل ابنك من اجل ان تنامي معي ليلة؟ وقتلها ايضا والقى بها في النهر . وفي هذه الاثناء كان فارسان من القبيلة التي استضافته يلحقان به، فأمراه بالعودة الى شيخهم ... فأوجس منهما ريبة وظن انه سيقتله لا محالة، لكنه اكرمه ورحب به بعد ان عرف انه قتلهما، ثم ذهب الى زوجته الاولى وقال لها : اذا زوجت ابنتك من الشيخ الضيف فهل تسترنا ؟؟ فقالت : لا لأنه عندما جاء فلان ليخطبها ورفضت انت قالت : انه رجل وسيم لو ان والدي وافق . فذهب الى زوجته الثانية وسألها نفس السؤال فأجابت بالنفي ايضا ،وعللت اجابتها بأنه عندما كانت تطبخ قرى الضيف كانت تلحس اصبعها . فذهب الى زوجته الثالثة وسألها نفس السؤال : فردت بالايجاب، ولما سألها عن السبب قالت " لانها منذ كبرت لم يدخل الحب الى قلبها ولم تنظر الى رجل . فقال لها : اذا جهزيها للرجل . وزوجها له.