لحنت وأخطأت

لحنت وأخطأت

و...لكنها غير ملامة

عادل العابر - الأحواز

[email protected]

كنت مرهقاً عندما طلبت مني إبنتي الصغيرة أن آخذها في نزهة إلى الحديقة العامة.

ولكي أخلص نفسي من طلبها المتعب قلت:

سآخذك ولكن بشرط!

ابتسمت إبتسامة جميلة ثم قالت بالفور:

سأقبل كل الشروط!

قلت: شرط أن تقرئي لي خمس صور من القرآن الكريم عن ظهر قلبك.

ضحكت والسرور بدا على وجنتيها ثم قالت:

هذا سهل للغاية، لأني احفظ اكثر من خمسة.

قلت وأنا حزين فرح إقرئي،

حزني على فشل محاولتي التي لم تنجح كي استريح في المنزل بعد دوام طال لأكثر من ثمان ساعات،

وفرحتي من أن لدي صغيرة تحفظ صوراً من القرآن الكريم،

 ففي هذه الأيام لا تحفظ الصغيرات إلا الأغاني التافهة التي لا يطرب لها أي ذوق سليم.

 فبينما صرت آذان صاغية قرأت صغيرتي:

بسم الله الرهمن الرهيم

إنا اعتيناك الكوسر

فسلي لربك وانهر

ان شانئك هو الابتر

 رمقتها وأمها! فتخيلت الفتاة البريئة أني قد أعجبت بقراءتها!

وبينما انقلبت فرحتي إلى حزن ثان، تابعت الصغيرة الغافلة:

بسم الله الرهمن الرهيم

غل اعوز برب الناس

........................

ثم قرأت ثلاث صور أخر بنفس اللحن والأسلوب!

وبعد أن أنتهت من السورة الخامسة تبسمت وكأنها فازت في إمتحانها فتستحق المكافئة أي أن تحصل على ما طلبت!

نزهة في الحديقة العامة!

 ماذا قد تفعل لو كنت مكاني؟

هل توفي بوعدك وترافق صغيرتك إلى المنتزه؟

أم أنك لا تقبل قراءتها فتوبخها قائلاً: قد رسبت في الإمتحان يا هذه ولا تستحقين المرافقة؟

كانت الصغيرة المدللة تنتظر أن أغير ملابسي وأستعد للخروج من المنزل متصورة أنها قد أبلت حسناً،

وعندما طال إنتظارها اتجهت نحوي مخاطبة إياي:

عهدتك يا أبي العزيز ملتزماً بوفاء عهودك.

قلت وقد شيمتني جملتها:

لم أنقض العهد حتى على قص رقبتي.

فضحكت ضحكة رضاء ثم خرجنا كلنا متجهين إلى الحديقة العامة.

 لم تكن الحديقة بعيدة وما إن خرجنا حتى وجدنا أنفسنا فيها،

 فسعت حلوتي إلى الملاعب راكضة وإخوانها، إلى الزحلوقة والأرجوحة وحوض الكرات.

كانت الموسيقى الفارسية تعزف ويرافقها مطرب فارسي بمكبرات الصوت،

ليست هناك حفلة حية إنما كان شريطاً يبث من إحدي حجر الحديقة، وبصراحة كان الصوت يزعجني جداً.

 ماانفكت قراءة صغيرتي الملتهية تتكرر في ذهني!

كادت توترني، لا بل تحطم أعصابي وهي تتلفظ الحاء هاءاً، والصاد سيناً، والطاء تاءاً، والقاف غيناً، والذاء والضاد والظاء زاءاً وكأنها أعجمية!

ثم لم تلتزم بقواعد التجويد، فقد قرأت الحروف كلها بإستعلاء!

ولم تراع قاعدة يرملون ولا القلب ولا القلقلة ولا الإخفاء ولا الإظهار ولا التفخيم ولا الترقيق!

وقد لحنت في النصب والجر والرفع!

 كنت سارحاً في أفكاري،

لماذا أخطأت إبنتي الحبيبة في القراءة؟

من الملام؟

أنا، أمها، أم المدرسة؟

لا مراء لو أن صغيرتي الشاطرة درست في مدرسة عربية لأجادت القراءة.

عرفت أن معلمتها فارسية،

 وأي نظام تعليمي يسمح لها وللمدرسين الفرس الذين لا يجيدون قراءة القرآن الكريم أن يدرسوه في المدارس؟

 فكرت ملياً ووصلت إلى الحل،

 نعم،

 قبل أن تضيع إبنتي وأخوانها مني ويتعجمون كما تعجم الكثير من أبناء الأحواز فأصبحوا لا يجيدون اللغة العربية (وهذا ما يبتغيه النظام الفارسي) بادرت بتعليم أسرتي في البيت، وأمسينا نقرأ القرآن كل ليلة وذلك بعد صلاة المغرب، وقد نالت مبادرتي هذه إستقبالاً حاراً من أفراد الأسرة والحمد لله.