متسول أخاف زوجتي

عادل العابر - الأحواز

[email protected]

كانت إنتفاضة 15 نيسان 2005 قد عمت البلاد بأكملها، أنفجرت شرارتها في حي الثورة ثم سرى لهيبها إلى الحاراتالأخرى ثم إلى الحميدية ومعشور وكل البلاد.

 إنتفاضة خط التأريخ تضحيات أبناءها بأحرف من نور.

 إنطلق الشعب الأحوازي الذي لم يعد يحتمل الظلم والجور، بعزيمة لا تعرف الكلل ليهدم معاقل الطغيان الفارسي.

وحاول النظام الفارسي البغيض أن يخمد تلك الإنتفاضة بالنار والحديد، فسقط العديد من أبناء الأحواز بين شهيد وجريح. وقام رجال الإستخبارات باعتقالات واسعة شملت كل ضواحي الأحواز.

واعتقل معظم أصدقائي الذين كانوا رفاق صباي وموضع أسراري ولم أكن أخشى بأساً من إطلاعهم على كل شئ.

كانت زوجتي على قناعة شبة مطلقة بأن النظام سيعتقلني!

 وكلما أحاول أن أطمأنها لأزيح القلق الذي كان يرافقها ليل نهار، لم أفلح.

 فتقول: إن رجال الإستخبارات لا يرحمون، وأصدقائك سينقادون للإعتراف بما اقترفوه ولم يقترفوه!

 فأقول كي أقلل من اضطرابها: إنهم أسد ولو قطعوهم إرباً إرباً لن يتفوهوا بالذي يخدم العدو ويضر الأحواز.

 فتقول ثانية: ولكنهم خلقوا من دم ولحم.

 وأردف: وإيمان من فولاذ.

 ثم تتبسم وتكلم نفسها: إرتجالي ويجد لكل ما أقول ما يقنعني به!

فكنا كلما طرق الباب أو رن الجرس، ظننا أنهم قد أتوا ليجلبوني معهم إلى حيث لا أدري.

كنت أوصي زوجتي أن تراعي الأطفال وأن تكون قوية كالجبال لا تهزها الرياح، وأن السجن والتعذيب وحتى الإعدام، مصير الرجال الذين لا يرضون العيش بالذل والهوان.

 وأن السلم مع المحتل طالما لم يخرج من أراضينا، نزعة الجبناء والأذلاء.

كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلاً، وهذا الوقت أوان النوم في الأحواز، كنا قد استلقينا على السرير وقمت لأطفأ النور، وإذا بصوت الجرس يرن! مرة ومرتين وثلاثة!

نظرت إلى زوجتي وتبسمت، فتبسمت هي الثانية ثم قالت:

 إنهم هم، ودون أي ريب.

 فقلت وأنا أتجه نحو الباب لأفتحه: ونحن نحن.

 ثم قالت: ألا تريد أن تقبل الأطفال قبل إعتقالك؟

 ضحكت وقلت:بلى، ثم قبلت الأطفال وهم نيام،

 وخاطبتهم بصوت تسمعه زوجتي: سيروا على ما سار عليه أبوكم، رفض الإحتلال والنضال والحياة بعز وكرامة.

ثم اتجهت مرة ثانية نحو الباب وكانت رنات الجرس تتلاحق وكأنهم في عجلة لإعتقالي.

 قطعت طريقى قائلة: وهل تسمح أن يعتقلوك وأنت في ملابس النوم؟

 كانت محقة، يجب أن أكون محتشماً أمامهم.

هرولت خلفي زوجتي لتلقى نظرة الوداع علي.

 جمعت قواي ورفعت صدري كأبطال المصارعة لأظهر ذا أبهة وقوة.

 ثم لأقول لهم: هذا أنا بلحمي وشحمي.

مددت يدي صوب زر الكهرباء لأضيئ النور وعندها صحت:

 من الطارق:

 أجاب بلغة فارسية: أنا!

 سألتني زوجتي: من؟

 عبثاً أحاول أن أخبأ عنها فقلت: إنهم هم.

 قالت والدموع في عينيها: وداعاً إذن.

 لوحت لها مودعاً إياها، ودقات قلبي تسارعت وتسارعت،

 ثم فتحت الباب وإذا بمتسول أعجمي على رأسه عمامة خضراء!

 وما إن رآني حتى قال: إعطني يشفع لك أبو الفضل العباس!

 قلت وأنا بين الغيظ والرضا: وهل هذا وقت التسول يا رجل؟!

 قال ببرودة دم غريبة: وصلت لحارتكم متأخراً!

 ثم ضع نفسك في مكاني! هل كنت ستقدر أن تتكدى من كل هذه البيوت خلال ساعة أو ساعتين؟!