محمد يرث ومحمد لا يرث

    من قصص التراث الشعبي الفلسطيني

تحسين أبو عاصي

– غزة فلسطين –

[email protected]

جمع رجل أبناءة الثلاثة قبل موته وقال لهم : محمد يرث ، ومحمد يرث ، ومحمد لا يرث .

وبعد أن مات اجتمع الثلاثة من أجل تقاسم الميراث ، ولكنهم اختلفوا فيما بينهم على الذي يرث والذي لا يرث .

اتفق الثلاثة على اللجوء إلى القضاء العشائري ؛ فذهبوا إلى ديوان رجل مشهود له بالنزاهة والصفاء .

وفي الطريق استوقفهم رجل ؛ ليسألهم عن جمل له كان قد فقده ، قال أحدهم له : إن جملك أعور ، وقال الآخر : إن جملك أقطش ( ليس له ذيل ) ، وقال الثالث : إن جملك كان يحمل على ظهره سُكّراً  .

اعتقد صاحب الجمل أن جمله عندهم ، وأنهم يتحملون معا مسئولية جمله وأصرّ على مطلبه .

اشتد الجدل بين الإخوة الثلاثة وصاحب الجمل ودخلوا في نزاع حاد ، ولكنهم اتفقوا أخيرا على اللجوء إلى القضاء لكي يحكم بينهم ، وأخبروه أنهم ذاهبون إلى القاضي ليحكم بينهم في أمر الميراث الذي يتنازعون حوله ، وأن عليه مرافقتهم إلى القاضي لكي يحكم أيضا له بشأن الجمل .

وافق صاحب الجمل على طلب الإخوة الثلاثة ورافقهم إلى القاضي .

حكى أربعتهم قصة الجمل للقاضي .

سأل القاضي الأول : كيف عرفت أن الجمل أعور ؟

أجاب قائلا : رأيت الجمل يأكل من جانب واحد فعرفت أن له عين واحدة .

سأل القاضي الثاني : كيف عرفت أن الجمل أقطش ؟

أجاب قائلا : كان الجمل يخرج منه البعر على رجليه ، فعرفت أنه أقطش لا ذيل له .

سأل الثالث : كيف عرفت أن الجمل كان يحمل على ظهره سُكّرا ؟

أجاب قائلا : رأيت من خلف الجمل أسرابا من الذباب ،  مما يدل على أنه كان يحمل سًكرا .

قال القاضي : أريد أن أذهب وأحضر شيئا ما ، وسأضعه في صدري وتحت قميصي ، ويجب عليكم جميعا أن تعرفوا ما هو هذا الشيء ؟

احضر القاضي حبة رمّان ووضعها تحت قميصه ، على صدره وسأل كل واحد منهم : ماذا يوجد تحت قميصي ؟

قال الأول : تحت قميصك مُكبّب .

قال الثاني : تحت قميصك مُحبّب .

قال الثالث : تحت قميصك حبة رمان .

قال للرابع صاحب الجمل : اذهب فجملك الذي تبحث عنه ليس عندهم .

ذبح القاضي خروفا ، وقدّمه طعاما لعشاء ضيوفه ، فقال الأول : ليس هذا لحم خروف بل هو لحم كلاب .

وقال الثاني : إن الذي أطهته ( أي طبخته ) امرأة تنتابها الآن الدورة الشهرية .

وقال الثالث : إن الذي قدّم الطعام لنا هو ( بَندوق ) أي ابن زانية .

كان القاضي يسمع كلام ثلاثتهم ، وكان يُبدي لهم كأنه لا يسمه شيئا ، وفجأة ذهب إلى أمه مُشهرا سيفه بيده ، يسألها : من أبي وإلا قتلتك ، قالت أمه له : إن أباك كان عاقرا وإنني حملت بك من راعي غنم .

أصرّها في نفسه وذهب لزوجته يسألها هل أنت الآن تعتريك ِ الدورة الشهرية ؟ قالت له نعم .

ثم ذهب إلى الذي أخذ من عنده الخروف ليسأله : ما قصة الخروف الذي قدمناه طعاما قبل قليل لضيوفنا ؟ قال : لقد ماتت أم الخروف وهو صغير ورضع لبنا من ثدي كلبة .

عاد القاضي إلى ضيوفه وسألهم عن مشكلتهم التي أتوا من أجلها ، فقالوا له : محمد يرث ومحمد يرث ومحمد لا يرث ، فمن هو الذي لا يرث منا ؟

قال القاضي للأول : اذهب إلى قبر أبيك وأحضر لي منه أُذنا واحدة من أذنيه ، رفض الأول بشدة وقال : لا والله ، لا يمكن أن أهتك حرمة قبر أبي .

قال القاضي للثاني : اذهب إلى قبر والدك واحضر لي أنفه ، قال أيضا كما قال الأول .

وقال القاضي للثالث : اذهب واحضر لي ساق والدك من قبره ، قال الآن أحضر لك الساق كلها وإن شئت أن أحضر لك كل الجثة أفعل لك ذلك فورا .

قال القاضي للثالث : أنت مثلي .

قال كيف : قال : ألم تصفني بأني بندوق ( ابن زانية ) لا أب لي ؟