حقي فيك يا أبي
عصري فياض - مخيم جنين
صالة المنزل الواسعة والفاخرة تضيق بها،والمقاعد المريحة الفارهة لا تستطيع كبح جماح التوتر الذي تعتريها، تغدو وتعود بخطواتها القلقلة بين الجدار والجدار، واصابعها ما انفكت تتداخل حينا وتتباعد حينا آخرمن وقع الانتظار ...
حائرة هي بين حالة ابنتها الفتية التي نامت لتوها رغم الحالة النفسية التي تعانيها، وحال زوجها رجل الاعمال الذي اعتاد العودة إلى المنزل بعد منتصف الليل.
دقت ساعة الحائط،نظرت إليها وحدقت، لقد انتصف الليل،لمع في زجاج الساعة شعاع نور قادم من الخارج عبر شرفة المنزل ،ترافق ذلك مع صوت سيارة يقترب ويتصاعد ، اسرعت نحو الشرفة ...ازاحت الستائر قليلا.. لقد عاد، وترجل وصعد السلم يحمل حقيبته الخاصة بيمينه، وهاتفه النقال بيساره...فتح الباب وقال عندما رآها في انتظاره:
مساء الخير ...ما الذي يقلقك إلى هذه الساعة ؟
تماسكت ولجمت اندفاع مشاعرها الممزوجة بالغضب وقالت:-
لقد تأخرت ...
قال :- اعلم ذلك ، ولكن ما افعل يا زوجتي العزيزة ، مطالب العمل لا تنتهي ..
دخل غرفة النوم وهو يشرح لها تفاصيل الصفقة التي يعد لها وما فيها من آمال في قفزة نوعية ستنقله من ثراء لثراء اكبر..نزع ملابسه الرسمية ولبس ملابس النوم ولسانه لا يتوقف عن الحديث عن الطموح والنجاح، وهي صامتة تصارعها افكار متناقضة... ترى عل تبوح لهعن حال ابتنه التي لم يراها منذ اسبوع ام يكفيه همّ العمل ؟ وقبل ان يقوى لسانها على النطق ، غاب هو تحت الفراش مستغرقا في نوم عميق ...
* * * *
مكتبه يعج بالمراجعين ، مهندسن،مقاولين وعمال وزبائن واواراق ومخططات وصخب ونقاشات..صوته يعلو فوق الجميع،هاتف سكرتيرته لا يهدأ،ترفع السماعة ولا تكاد ان تقول إلا جملة واحدة ... المدير مشغول اتصل في موعد آخر.....
دخلت زوجته على الخط ،وطلبت زوجها المدير على عجل.. اسرعت السكرتيرة وشقت حموع الحضور وهي ترفع صوتها .. سعادة المدير ..ارفع السماعة ... صرخ بها : قلت لك انا مشغول
قالت : المدام على الخط
كظم غيظه ورفع السماعة بعصبية وقال: نعم
لحظات من الصمت خفت بها وتيرتة الصخب حتى يتسنى للمدير اتمام مكالمته.... وقف وقد بدت عليه علامات الصدمة قائلا ماذا ؟؟ مستشفى .... سأحضر حالا .......
* * * *
في الطابق الاول للمشفى التخصصي، سار في الممر الطويل بخطا سريعة،وربطة عنقه تتراقص على وقع صوت حذائه الذي يملاء الردهات،بإحدى يديه يحمل منديلا يمسح به عرقه المتصبب ،وبالاخرى يعصر النقال... وصل قسم الطوارىء... اندفع اكثر عندما رأى زوجته تقف امام احدى الغرف ... سألها بلهفة:- اين سندس ؟؟ ماذا حصل لها ؟؟
اجابت وهي تمسح دمعخا بأطراف اصابعها:-
عند الطبيب..هي الآن قيد المعالجة.......
قال وهو يحاول دفه الباب المغلق:- ما الذي جرى ؟
وقبل ان تجيب خرج الطبيب من غرفة المعاينة وبادر بالسؤال :- اين والد سندس ؟؟
رد بسرعة :- انا يا دكتور .. ماذا جرى لابنتي ؟؟
قال الطبيب :-لا تخف ، ابنتك تعاني نوعا من الاكتئاب.. اعطيتها حقنة مهدئة وهي نائمة الآن ... انها بحاجة لك .. ولرعايتك واهتمامك... الآن يمكنكما الدخول تفضلا ...
* * * *
الضحك والسرور والجلسة الهادئة الوديعةجمع تلك العائلة في رحلة استجمام خارج المدينة .. سندس تجاور والدها وتمسك بيده ، والام تدقق بما ترى وتقول في نفسها الحمد لله... فجأة رن الهاتف النقال المسجى على الطاولة ، وبحركة لا شعورية هّمَ الوالد بإلتقاطه، ... تبخرت البسمات من على الشفاه ، وتراجع الفرح في قسمات الوجوه، وصمت الجميع ... نظر الوالد إلى ابنته وزوجته وقد تغير حالهما ويده الخجولة تحوم اعلى الهاتف ... فقرأ بوادر نكسة ...حمل الهاتف الذي لا زال ينادي بصوت ناعم ، وقرأ في شاشته الرقم المتصل،فأدرك انه احد المقاوليين ،فأغلق الجهاز بقوة،ةألقاه على الطاولة وقال :-
الوقت كله لكم ... وأتمنى ان اسدد فاتورة واجبي اتجاهكم اولا ..