بلدة الحفاة
ليلى رابح / الجزائر
منذ سبعة أيام و الكوابيس تطارد حكيم في كل ليلة ، لكن كابوس الليلة السابعة لم يكن يشبه أيّا منها لقد كان أشبه بالرؤيا السحرية الغريبة. فقد رأى حكيم نفسه يسير حافي القدمين في مكان مجهول مكفهر، كان الظلام الدامس يحول دون تبيّن أي شيء . لكن حكيم لم يتوقف عن المسير و راح يدوس في طريقه على أشياء عديدة اعترضت دربه
و أدمت قدمه لكنه لم يكن يصغي للوجع وظل يتابع مسيره حتى أدركه لتعب و خارت قواه ،و صار يسير بخطى متثاقلة من فرط الألم و بينما هو كذلك إذا بنور ساطع يخطف الأبصار يجتذبه من بعيد , تحّمل حكيم كل آلامه و ركض سريعا بكل ما أوتي من قوة . تعالت أصوات مبهمة من بعيد حتى إذا ما اقترب منها رأى جمعا من الناس يهتف باسمه لكنهم كانوا يضيفون على اسمه اسم الحاكم فكانوا ينادونه بالحاكم حكيم .
استغرب حكيم أيّما استغراب و سار في ذهول وأصوات الناس تحمله حملا حتى بلغ عرشا قد خصص له وسارعت حاشيته بنقله إلى القصر.ظن حكيم انه يحلم فأخذ عبثا يفرك عينيه عله يستفيق .
ظل حكيم محمولا على العرش لكن قدمه التي قادته إليه كانت تزداد تورما في كل يوم حتى أقعدته عنه .
لم تكن قدم حكيم قبل تورمها بالعريضة الثخينة و لا بالنحيفة الرفيعة و إنما كانت بين، بين ، جرّب الحاكم حكيم كل أحذيته الجديدة منها و المستعملة إلا أن قدمه كانت تزداد تورما و احتار الأطباء في أمره ، فأمر بتصميم أحذية على مقاسه الجديد في كل يوم ، لكن كل الحيل باءت بالفشل و كانت قدمه في كل مرة تنفجر لتمزق الأحذية .
استاء الحاكم حكيم و غضب أيّما غضب ، و لم يعد يرق له طعام أو شراب و ضعف جسمه ماعدا قدمه ، لم يكن أحد يجرؤ على إغضابه أو مضايقته ، إلا أن قدمه فعلت به الأفاعيل و منعته من اعتلاء كرسي حكمه و كادت أن تجعل منه مسخرة للجميع فظل محبوسا و اشتاق للظهور، و لكنه خشي من استهزاء رعيته به ، فكّر و قدّر و فكر و قدّر إلى أن اهتدى لحيلة عجيبة غريبة ، فأمر بتنظيف البلدة ركنا ركنا ، و زرع الورود و الرياحين في كل أرجائها و تعبيد جميع طرقاتها و أزقّتها و تشديد عقوبة من يرمي بالأوساخ مهما كانت حقيرة يسيرة ، فاكتست البلدة بالعشب الأخضر و تزيّنت بالورود و تطهّرت من كل النجاسات و الأدران في ظرف أسبوع متواصل من العمل و الجهد الجهيد ، ثم ما لبث الحاكم حكيم أن أصدر مرسوما يأمر فيه رعيته بالمشي حفاة ، استغربت الرّعية و تعجبت و تساءلت
و احتارت حيرة كبرى لكنها أذعنت لحاكمها و لم تجد بدا من طاعته .
و في احتفال عريق تليد ، جمع الحاكم البلدة و سار أمام الملأ حافيا ليكون قدوة يحتذي بها الجميع .
كان الناس قد أتوا حفاة إلى الاحتفال الغريب و ساروا كذلك مبتهجين.
كانت حوانيت النعال جميعها قد أغلقت فكسدت تجارتهم و بارت لكن تجارة أخرى كانت قد ازدهرت سريعا سريعا و درت على البلدة أموالا طائلة ، فالسياح ظلوا يتوافدون عليها من كل فج عميق متعجبين لحال هذه البلدة المقدسة الطاهرة فكل من دخلها عليه أن يتطهر و يخلع نعليه .
تنعم الحاكم في حكم بلدته و سرّ كثيرا بدهائه و مكره و تفتحت شهيته للطعام و الشراب بكل أصنافهما ممّا جعل بطنه ينتفخ و ينتفخ حتى ضاقت عليه كل الثياب فلم يعد أي منها على مقاسه ، و احتار الأطباء في أمره من جديد . ظل الحاكم ملفوفا بغطائه أياما عديدة و قد اشتد ضيقا و حرجا إلى أن اهتدى لفكرة عجيبة .
استدعى الحاكم اقرب وزرائه واستشار ه في أمر الفكرة التي طرأت له لكن وزيره حذره منها و نصحه بمغادرة هذا الكرسي اللعين الذي يجلب عليه كل هذه المصائب.
تضايق الحاكم من كلام وزيره و جرأته عليه وما كان منه إلا أن اتهمه بالخيانة و أمر بزجه في غياهب السجون ، و في غضب مجنون أطلق الحاكم حكيم العنان لفكرته و أصدر مرسوما يأمر فيه رعيته بلف إزار حول خصرها و التخلي عن كل أثوابها إمعانا في التطهر و التجرد .
لكن الرّعية ثارت و انتفضت و صرخت في وجه الحاكم الأبله لقد رضينا أن نكون حفاة لكن نرضى أبدا أن نكون عراة فكان أن عزلوه وألقوا به من عرشه وهو يرتعد من البرد , وفي ذات الوقت استيقظ حكيم ليجد نفسه ملقى على الأرض وقد سقط عن سريره وتنحّى عنه لحافه ، وازداد ألم قدمه التي تورمت من الحذاء الجديد الضيّق الذي اقتناه منذ أسبوع ، ضحك حكيم من حلمه الغريب و حمد الله على عافيته.