حكاية امرأة
محمد المهدي السقال
القنيطرة / المغرب
بعد الزواج ، لم أنجح في التخلص من أرق السؤال عما أقدمت عليه ، حين تزوجت امرأة عرضت نفسها عليّ بواسطة أبيها.
راودني الشيطان فأوعز لنفسي شر ما أقدمت عليه ، لم ييأس من وقر مسامعي بكرة وأصيلا ، بأنها نجحت في إخراجي من جنة الحلم بالانتقال إلى مسقط رأسي ، والشيطان محق فيما يأخذني به من ذنب الردة التي تملكتني ، فـأنستني بريق شرار الوهج القادم لا محالة ، كل رفاقي عاتبوني على اختياري حضن '' الحاج الريوش'' ملجأ لدفن همومي ، نزلت غريباً بأرض لم أعرف لها موقعاً في خريطة الوطن ، لم يكن يبعدها عن الطريق الرئيسة نحو العاصمة إلا مسافة ساعتين مشياً على الأقدام ، لكنها بدت لي غائرة في العزلة على هامش التاريخ ، يخترقها نهر '' سبو '' الملوث بكل نفايات المصانع التي لا أثر لها أمام العين غير الدخان.
فوجئت برؤية الزوارق تربط بين ضفتي نهر ، عرفت فيما بعد، أن الجسر مستحيل بين أبناء العشيرة الواحدة، سألت '' الحاج الريوش '' عن سبب اختياري أنا بالذات للزواج من ابنته ، وليس بيني وبينها أدنى صلة، المرة الوحيدة التي التقت فيها عينانا كانت على حافة النهر ، أثارني تمايلها في صمت بين جموع النساء ، لعله إيقاع أقدامهن فوق كساء الشياه ، لمحت بريق العرق يتصبب من الجباه ملتبسا بأشعة الشمس ، بينما كانت هي دون النساء ، وحيدة غير حافية القدمين ، عاودت النظر لاستكمال هيأتها فرمقتني ، تسمرت كالواجفة من وجودي ، كنا وجها لوجه ، تعرف أنني المعلم الجديد في القرية ، ولا أعرف أنها '' للا الغالية '' بنت السي الحاج الريوش ، نسيت أنني جئت لأقطع النهر إلى الضفة الأخرى حيث الإدارة ، يعتبر التردد عليها علامة على الانضباط للحضور ، وهي فرصة للسؤال عن تسوية وضعيتي المادية ، بعد ستة أشهر بدون راتب ، أصبحت مضطرا للسلف من بعض الآباء كي أقيم أودي ، هل يكون ذلك سبب اجتراء الرجل على عرض ابنته للزواج بي ؟
ظللت أتساءل ، لكن ظنوني كلها ذهبت سدى ، حين أجابني الرجل بأنها كانت صاحبة الطلب ، من يصدق أنها توسلت لأبيها بكل سادات البلد ، كي يعمل كل ما في وسعه لتزويجها بي؟
حدثني الحاج الريوش عن الكوابيس التي تراها في المنام، فلا تستيقظ إلا على ذكر اسمي ، استدرك أنني لم أكن يوما أطاردها ولعياذ بالله ، كل ما في الأمر ، أنها تحلم بك ولا ترى غيرك في صحوها ومنامها ، لقد التبس علينا الأمر ، فرحنا بها إلى '' سيدي الكامل '' ، لعله ينزع ما يسكنها من شيطان الإنس ، لمح ابتسامتي عند كلمة الشيطان ، فالتمس مني العذر على ارتباكه ، تركته يتحدث على سجيته ، دون أن تفارق ذهني صورة الرجل كما يرسمها السكان في الدوار ، وحده يملك ما تملكه الجماعة مجتمعة ، حتى قيل إن بعض أطيانه غير معلومة الحدود لديه ، واسترسل في بعض تفاصيل العرض التي لم أسأل عنها ، مادمت لم أعبر عن موافقي بأي شكل مما جرت به العادة ،
كيف أشرح له أنني عابر سبيل ، و لولا ظروف قاهرة ما كنت وطئت هذه الأرض ، كيف أصور أمامه الأحلام التي نسجتها في خيالي ، وأنا بعد لم أجاوز العشرين ، بدا لي أنه يفرغ جعبته من موضوع يؤرقه ، لعل الخجل من الموقف وراء إخفاء حماسته ، تصورت أنه يغامر بمقامه من أجل إرضاء ابنته البكر ، تريدك والسلام ،
وأمهلني يومين لأرد عليه بالجواب ، منبها على بقاء الأمر سرا بيننا حتى ولو تم المراد ، قفلت راجعا إلى غرفتي الطينية بمحاذاة الفصل الدراسي ، منشغلا بما تبقّى من شمع لقضاء هذه الليلة الساخنة ، اصطحبني رجلان بأمر الرجل لمنع كلابه من التربص بي ، لكنني استأذنتهم في الانصراف حين دخلت منطقة الكلاب التي تعرفني ، وغصت في لجة تفكيري أبحث عن كوة ضوء لفهم ما يحدث لي ، وضعت رأسي على وسادة خشنة ، أعيد شريط الجلسة مع الرجل ، وبين الفينة والأخرى، أحاول تذكر ملامح وجهها الذي ما رأيته غير مرة واحدة ، وحضرت أمي وهي تسألني عن هذا الزواج المفاجئ؟ هل ستذهب بها الظنون في أمري لتلتمس لي عذرا ، و العازب مثلي في مثل ظروفي يمكن أن يقدم على أي شيء ، أتابع حبو الطفل الثالث منها ، لم يدرك بعد أن أمه ماتت منذ عشرة أيام.