عندما يهيج البحر

عندما يهيج البحر

وفاء خالد

كان الموج رهيبا والرياح قاسية والشمس تغرق شيئا فشيئا بين الأمواج الهائجة وتنزف اشعتها في عمق البحر وتختفي في استسلام غريب ومشهد كله خضوع وانهيار وأنا في زورق صغير تهرأت اشرعته فما عاد يقوى على التحمل، تلعب به الأمواج وتأرجحه يمينا وشمالا وهي ضاحكة صاخبة وكانها تريد الانتقام لشيء ما، لصوت هديرها تفزع نفسي وتقفز روحي ولكن لا مفر!

أخذ الزبد يكثر ويعلو حتى بدى كسحابة بيضاء غطت وجه الماء وزورقي كقشة تلعب بها الريح وتتجاذبها الأمواج، يا لدهشتي كم هي قاسية هذه الأمواج، ألا تنظر فزعي وخوفي وبكائي ومعاناة زورقي؟ ولكنها بعذاباتي وانيني وكأنها في عرس كبير اقيم للإله على الجميع ان يرقص فيه حتى النهاية ثم بكل خضوع تلقي العرس في النهر لكسب وده ورضاه وهكذا ينتهي العرس بمأتم محتم ونهاية معروفة للجميع. لكن الموج أصبح عاليا كقمم من الجبال اكتست بياضا ثلجيا من شدة الزمهرير، تلعب بي وبزورقي فتنزل بنا تارة وتارة اخرى تصعد لتعيد الجولة مرة اخرى فتذكرت دواليب الهواء عندما كنت صغيرة لأنها كانت تخيفني وكان قلبي يخفق ويكاد يخرج من صدري عندما يبدأ الدولاب بالصعود والهبوط، ولكن مع ذلك اعيد الكرة وأصعد به مرة ثانية. ولكن لدولاب الهواء وقت محدد وينتهي، اما الوقت مع هذا الموج العاتي فلا أظن ان له نهاية او ربما هي نهايتي قد دنت. ولكن من يعثر على رفاتي بعد ان ترقص احدى الموجات وتشعر بسعادة غامرة بالانتصار ورغبة في الانتقام فترمي بي الى حيتان البحر فتلتهمني وربما تتقاسمني فيما بينها، فأصبحت ارتجف كسعفة نخيل مبللة في يوم خريفي عاصف وانادي ولا من مغيث يا ألهي ألا من مخرج مما انا فيه؟ إنك لم تتخلى عني يوم من الأيام وانا في احلك الظروف ولا أظنك ستتخلى عني الآن فأنا واثقة من رحمتك فجد لي مخرجا وكن لي عونا فأنا في معركة تتصارع فيها الأمواج من اجل البقاء وإثبات الذات على حساب أي شيء وها هي واحدة قد انتصرت فهي الأكثر علوا وشدة والأنصع بياضا فمدت ذراعيها القويتان في استعراض للقوة وفغرت فاها فحاولت التشبث والإمساك بها ولكنها كانت قاسية فأبعدتني وحملتني وزورقي وقذفت بنا بعيدا فطرنا في الهواء للحظات ثم أحسست برأسي يرتطم بقوة ولكن في احدى جوانب السرير ففتحت عيني ووجدتني فوق السرير وسادتي وجسمي ينتفض من الرعب والعرق يغمرني من رأسي حتى أخمص قدمي، فحمدت الله اني لم أبرح من مكاني.