حكاية لم تكتمل
حكاية لم تكتمل ..!
حسين حسن السقاف
برغم كل ما يقال عن منظمة ( دلاس داى ) وكل ما يكتب عنها في الشبكة العنكبوتية وعن ضخامة مبناها الجديد في ( 543 ) جادة ( هيمنغواي ) بمدينة نيويورك، والمبلغ الضخم الذي اُنفق لبنائه ، كل ذلك وغيره مما يقال عن هذه المنظمة التي تعود مباشرة لأسقفية البابا ، لم يلحق أي ضررٍ برئيسها الذي ربما استفاد من ذلك ووظفه لصالحه بإدراجه ضمن الحملة المسعورة التي يشنها العلمانيون وبعض الديمقراطيين ضد سياسات الولايات المتحدة التي يتبناها الصقور منكرين عليهم بذلك منحاهم المتدين في معالجتهم لكثير من الأمور .. كل ذلك جعل القس ( رولاند ) ذا السبعة والخمسين خريفاً أن يكون شخصية مميزة تستطيع الولوج إلى البيت الأبيض في أي وقت يريد ، مكنه ذلك أيضاً من نسج علاقات حميمة ومتميزة مع أبرز رجالات البيت الأبيض ، استطاع بذلك أن يكون زعيماً روحياً مؤثراً على رئيس الولايات المتحدة نفسه ، الذي حظي بثقته المطلقة والعمياء ، بل تمكن من إيجاد اعتقاد قوي لدى الرئيس بأن الله يكلمه ، كما كلم نبي الله موسى من قبل.
كان ( رولاند ) في شقته الفخمة بحي ( منهاتن ) ، مع زوجته ( تريزا ) يتابعان فعاليات مؤتمرٍ علمي لجراحة التجميل .. بدا البروفسور ( سرجنت ) يستعرض فيه استخدامات أشعة الليزر في جراحة التجميل .
ما وصل إليه البروفسور في هذا الفن كان جد مذهلاً ، ناهيك عن براعته في استخدامات الليزر في هذا الفن.
- انه جرّاحٌ مبدع !.
- أجل إنه كذلك ، يا زوجتي العزيزة.
بدا رولاند مهتماً بمتابعة فعاليات المؤتمر الذي تنقله قناة C_SPAN) ) وهي تبث ذلك من خلال النقل المباشر لفعاليات المؤتمر.
- سوف أذهب غداً إلى ولاية (فلادلفيا) لأجري العملية في عيادته .. كانت هذه زوجته التي بدت متثائبة.
- سأصطحبك إلى هناك.
- لا داعي .. فمشاغلك كثيرة .. سوف أتعبك بذلك.
- تعبك راحة.
****
انتقلت الكاميرة من نقل فعاليات المؤتمر إلى أستوديو القناة ، أغلق القس رولاند التلفاز ، لينتقل إلى جهازه المحمول فتح الشبكة العنكبوتية للبحث في موقع مستشفى جراحة التجميل للبروفسور سرجنت ، كان النوم يداعب أهداب تريزا التي بدت ناعسة الأجفان ، لذلك نهضت إلى مخدعها بعد أن ودّعت زوجها الذي بقي عاكفاً على جهازه المحمول ، بقبلة خفيفة.
- عمت مساء .
- عمتِ مساء عزيزتي .. أظنه سيطول عملي.
رغم بلوغ تريزا الثالثة والأربعين ربيعا إلا أنها لازالت تبدو في ريعان شبابها ، فهي تتمتع بجمال أخّاذ ، ومازالت تلاقي عبارات الإطراء على جمالها ، رغم أنها نُصحت من قبل بعضهم بمعالجة أنفها ذو الأرنبة البارزة التي تجعل منه معقوفاً كأنف الساحرات المُهرطقات، لتصير ملكة جمال.
***
تعتزم تريزا القيام بمعالجة أنفها جراحياً منذ أمدٍ بعيد ، بيدَ أنها تخاف من مِبضع الجرّاح ، أكثر مما تخاف الموت نفسه .. حدد لها الكثير من جراحي التجميل معالم العملية ولديها الكثير من الصور و( الاستشارات ) لهذه العملية ، ولديها صور تبدي أنفها كيف سيكون بعد تجميل أرنبته ، تم استخراج كل ذلك من جهاز الحاسوب إلا أنها لم تستطع القيام بهذه العملية.
في صبيحة اليوم التالي ،كان رولاند مع زوجته في مستشفى جراحة التجميل في ولاية (فيلادلفيا) الجميلة ، يحتل المستشفى تلاً منعزلاً ، يطل على البحر ، كست الخضرة أرضية التل حتى بدت مخملية ، تحف بجانبي الطريق المتعرج الصاعد إلى المستشفى أزهار البنفسج و الياسمين .. إنه مستشفى راقِ ، ناهيك عن إنه يمكن للمرء مشاهدة ناطحات سحاب نيويورك من هذا التل .. لم لا يكون بهذه الروعة وغالبية رواده من الطبقة الارستقراطية في المجتمع ،بمن فيهم نجمات ونجوم هوليود الذين يعتمدون ميزانية ضخمة للعناية بجمالهم،والحفاظ على حيوية الشباب الآفلة.
كان الدكتور سرجنت في عيادته يستعرض الصور و( الاسكتشات ) لأنف تريزا ، حتى قال :
- أنها قديمة ... ! لماذا لم تقومي بهذه العملية من تلك الفترة ؟! .. لماذا تحرمين زوجك والناس رؤية جمالك ؟.
- إنني أخاف مِبضع الجراحة كثيراً .. تلك هي مشكلتي.
- لم تعد جراحة التجميل اليوم بالمبضع الذي تعرفينه أصبحت أكثر بساطة .. ستزدادين تألقاً وجمالاً سيدتي بعد العملية .. .ستعودين إلى منزلك بأنف اسكتلندي حسب رغبتك ، سوف أزيل هذا النتوء الذي يشبه سنام البعير ، كيف تحمّلتِ ذلك طول هذه السنوات؟.
كان البروفسور يقول ذلك وهو يشير إلى صورة أرنبة أنفها أمامه على شاشة الكمبيوتر.
****
ذهبت تريزا لإجراء الفحوص الطبية اللازمة ، في حين ذهب القس رولاند برفقة البروفسور إلى مكتبة المستشفى وأرشيفها للإطلاع على الأعمال المنجزة الموثقة في المكتبة ، تبيّن أن الكثير من المتقدمات لمسابقات ملكة الجمال وصلن إلى ذلك بفضل عمليات تجميل أجراها لهن الدكتور ( سرجنت ) .. وتبيّن لرولاند أن للدكتور سرجنت قدرات عجيبة حتى في تغيير نبرات الصوت وهو ما يصنعه للكثير من فناني العالم وخصوصاً مغنّي الروك والرََّاب.ناهيك عن أنه الطبيب والمستشار الخاص لملك البوب الذي كان أسمراً قبل تحويل لون بشرته.
بفعل الزيارات المتكررة والمتبادلة بين القس رولاند والدكتور سرجنت نشأت علاقة جيدة بين الاثنين.
*****
في يوم من الأيام سَلّم القس للدكتور قصة ( سرجري ) وهي قصة خيالية تحكي عن جرّاحٍ قام باستبدال وجه امرأة شابة تعرضت لحادث سير أودى بحياتها ، كان ذلك مع أختها التي ترافقها على نفس السيارة و التي عرّض الحادثُ نفسه وجهها للتلف بحيث لم يعد بالإمكان إصلاحه جراحياً .. كانت القصة مليئة بالخيال المشوّق الذي ألهبَ خيال الدكتور ، حتى أنه كرر قراءتها عدة مرات.
أصبح الدكتور يبحث في إمكانياته وقدراته عن صناعة ذلك ، حتى صار الأمر تحدياً وربطاً جراحياً يطمح إلى الوصول إليه.
**
في حفل العشاء الذي أعده القس رولاند للدكتور سرجنت ، تحدث الدكتور عن هذه القصة التي ألهبت خياله وهو ما كان رولاند ينتظره بخبث من الدكتور ، لذلك قال :
- بلا شك أن براعتكم وإمكاناتكم العلمية والتقنية تمكنكم من صناعة أفضل مما صنعه (ساب) وهو الدكتور الذي أجرى عملية التبديل الجراحي للأختين في هذه القصة .. اعتقد أن فريقي يستطيع عمل ما هو أفضل من ذلك.
- إنه الخيال العلمي.
- ما نراه اليوم خيالاً قد يكون غداً حقيقة .. كثير من المنجزات البشرية والعلمية تبدأ خيالاً ثم تنتهي حقيقة ، كذلك هي الحياة .. في اعتقادي أن الخيال هو الذي يميز الإنسان عن الحيوان.
- إنها أشبه بقصة الرجل الذي صنعه ( الكُونت فرنكشتاين ) وبث فيه روحاً من الصواعق التي كان يقوم بتكثيفها عليه .. أليس كذلك ؟
- ذلك خيال... فالخلقُ من شأن الخالق وحده ،أما تبديل الأوجه فهو أمر جار وجائز مثل بقية الأعضاء ، ولكن بحسب الأخلاقيات المتعارف عليها.
- هل بالإمكان اختيار الأصوات من خلال هندسة الحبال الصوتية جراحياً .
- بالتأكيد .. تمكن فريقي أن يصنع نبرات وطبقات صوتيه لمليونير شاب كان مهووساً بمغني ( الروك أند روك ) الراحل ( ألفس برسلي ) ، ثم أصبح ذلك المهووس يحمل صوت وصورة ( ألفس برسلي ) ، بعد أن أجرينا له بعض العمليات ، أصبح صورة بديلة لملك الروك الراحل ،وعند ما يظهر في الحفلات يعتقد مشاهدوه أن ملك الروك عاد للحاة مجدداً
****
من خلال الزيارات المتكررة لرولاند و مرافقيه للبيت الأبيض عرف الكثير من أسرار وخفايا ودهاليز هذا البيت ناهيك عن أسرار وخفايا رجالات ونساء هذا البيت ، استطاع القس رولاند بزعامته الدينية و إمكاناته المادية الضخمة أن يكون شخصية مجتمعية على درجة عالية من الأهمية .
لغرض التقوية الإيمانية للسيد الرئيس الذي يخضع عملياً لبعض الدورات الروحية التي يتلقاها من القس رولاند ، استطاع إقناعه بالتفرغ التام للمعالجة ألسريريه الروحية كضرورة مُلحة لذلك طالب الرئيس بالتفرّغ الكامل من جميع المهام العملية والأسرية ، بما في ذلك عدم استخدام الهاتف الذي يدخل منه الشيطان !.
******
رولاند ذلك القس الذكي يمارس أعمالاً أخرى خفيه ... فهو العقل الخفي المدبر لعصابة ) CUA ) وهي الأكبر في الولايات المتحدة بل وفي العالم ، ذلك ما لا يعرفه رجالات العصابة أنفسهم إذا ما استثنينا أحدهم.
تعد الكثير من الأعمال الضخمة التي تباشرها العصابة هي في الأساس من بنات أفكار هذا القس الذي لا يبدو إلا وقوراً على الدوام ، و كل ما يُعرف عنه إنه زعيم لمنظمة ( دلاس داي ) الدينية.
في مستشفى ( بلاستك سرجري كلنك ) بولاية ( فلادلفيا ) ، تفِد سيدات المجتمع وخصوصاً ممن يعملن في الوسط الفني أو الوظائف الحكومية و الدبلوماسية ، ممن يرغبن بأن يظهرن أكثر جمالاً وتألقاً بمن فيهن كبيرات السن في الوسط الفني اللاتي لا يعترفن بكبر سنهن ، ولذلك فإن السيارات الفخمة تصل إلى موقع أقرب ما يكون من غرفة التحضير للعمليات مباشرة.
كانت الساعة تشير إلى الثامنة مساءً حينما وفدت إلى المستشفى حافلة إسعاف متوسطة الحجم أخذت موقعها بجانب غرفة التحضير للعمليات ، ترجّل منها عدد من الرجال مقنعي الأوجه ، تبدو عليهم كامل اللياقة والصحة ، كانوا يخفون تحت معاطفهم الطويلة بنادق آلية خاصة متوسطة الحجم من نوع ( Remington ).
****
أخرج المسلحون من السيارة تابوتين أنيقين مصنوعين من خشب الأبنوس القرمزي اللامع ، اُدخل التابوتان إلى غرفة التحضير للعمليات من قبل بعض المسلحين الذين اقتحموها ، في حين توزع بقيتهم ، ليأخذوا مواقعهم بشكل منظم ومدروس سلفاً كما يبدو .. كان حينها الدكتور سرجنت وطاقمه يستعدون لإجراء عملية جراحية ، سيطر الذعر والرعب على جميع من كان في غرفة التحضير وغرفة الاستراحة للعمليات ، تحدث أحد المسلحين إلى الدكتور سرجنت :
- كل ما هو مطلوب منك هو أن تُجري عملية استبدال وجهَي وصوتَي ولونَي هذين الشخصين في التابوتين أمامك.
- بأي منطق أقوم بذلك ؟.
- بأحد المنطقين المعروضين أمامك .. القوة أو اللّطافة.
- لستُ مخولاً بأن أجري هذا النوع من العمليات.
- حتى لو طلبت منك ذلك ابنتك ؟.
- ما شان ابنتي في ذلك ؟.
- أنها في استضافتنا .. هل تريد محادثتها ؟ ... لتتأكد من ذلك ؟.
****
حاول الدكتور الاتصال من هاتفه المحمول بابنته ، ولكن الهاتف لا يستجيب ، اعتقد أن القفاز الذي على يديه قد حال دون اتصاله بشكل صحيح فنزعه ، ذهب إلى التلفون الأرضي.
- لا تحاول .. جميع الخطوط مقطوعة ، أما التلفونات النقالة فهي تتعطل بشكل أوتوماتيكي عندما يكون السيد الرئيس موجوداً !.
- تقصد الرئيس .. ؟!.
- نعم أقصده .. هل تريد رؤيته ؟ .. إنه هنا ليجري عملية التبادل التي أتينا من أجلها.
كان المسلح يقول ذلك وهو يفتح التابوت الذي أطلَ عليه الدكتور برأسه حتى صاح :
- يا إلهي .. إنه السيد الرئيس .. ثم أضاف :
- هل تريدني أن أجري هذه العملية سيدي ؟ ..
ولكن الرئيس لا يجيب ، فأردف.بصوت عال :
- ماذا صنعتم به ؟ .. لعله واقع تحت تأثير مخدر ؟.
- أجل انه كذلك . هل تريد الرئيس أن يمضي الأوراق اللازمة لإجراء العملية ؟.
**
كان أحد المسلحين يجري اتصالاً من تلفونه المحمول الذي بدا أكبر حجماً من الهواتف المعتادة ، وما لبث أن قال :
- تفضل ابنتك تريد محادثتك ..
قال ذلك وهو يسلم الهاتف للدكتور.
- كيف لهاتفك أن يعمل دون هواتفنا ؟.
- انه هاتف الرئيس... يعمل عبر الأقمار الصناعية.
أخذ الدكتور يهاتف ابنته التي زادته هلعاً ، مما حذا به أن يأمر طاقمه الطبي ، بإعداد السيد الرئيس للعملية ، إلا أنه استدرك:
- ولكن أين الشخص الآخر المراد الاستبدال معه ؟.
- إنه هنا!.
أخذ الدكتور بطارية صغيرة من جيب سترته البيضاء ليكشف عن حدقتي السيد الرئيس ، تبين له أنها أكثر اتساعاً من اثر التخدير الذي أعطي له .. قام بوضع يده على ساعد الرئيس ليجس نبضه ، ثم قال بصوت عال :
- احضروا جهاز ضغط الدم.
- لا تخَف يا دكتور كل ما عملناه كان تحت إشراف طبي دقيق .. نحن حريصون على السيد الرئيس.
سكت برهة ثم أردف :
- وزميله أيضاً ، كان ذلك المتزعم للمسلحين .
- افحصوا درجة تخديره لتكون في حسبانك عند تخديره للعملية .. كان يوجه حديثه لمختص التخدير لطاقم العمليات.
ثم أضاف بصوت عال محتد : إنه الرئيس ....!
- تعال لترى الشخص الآخر.