أمسية مع عالم الغرباء

أمسية مع عالم الغرباء

عوض عثمان عوض / سودانى مقيم بالمهجر

[email protected]

لا أدرى تحديدا ماذا أصاب صديقى قاسم ؟؟ منذ عودته هذا الصباح لم يتحدث معى ولا كلمة وهو فى حالة سكون تام كأنه أصابه مس من الجنون ..

قلت له أين كنت ليلة أمس؟؟ وكيف أمضيت يومك ولما لم تعود للبيت ؟؟؟

صمت لبرهة من الوقت ثم قال لى :

- كان يوم عادى وصلت المدينة متأخرا بعد يوم عمل طويل كالعادة ,أخدت حمام منعش فى سكن الطلبة ثم ذهبت بعد ذلك لأحد البارات القريبة من هنا وظللت أشرب وإستمتع بسماع الموسيقى والدردشة مع كبار السن والبارمان .. نظرت عبرالنافذة و لمحت المطر ينهمر بغزارة فى الخارج فزاد ذلك من كسلى للعودة مبكرا للمنزل , قررت بعد ذلك مغادرة البار عند الثانية صباحا ,الطقس كان معتدل نوعا ما وتوقف هطول المطر وفى الطريق إلى البيت وجدت أربعة من المارة حيونى بلطف وسألونى إلى أين ذاهب ؟

- قلت لهم إنى متعب وذاهب البيت لأنام ...

- لما لا تذهب معنا فلدينا حفلة بالقرب من هنا مع مجموعة من الأصدقاء ..

- لكنى لست مدعوا ولا أعرف ما هى المناسبة ؟؟

- نحن ندعوك الآن , وأصروا على ذهابى وكأنهم يعرفوننى منذ مدة طويلة جدا , وأخيرا وافقت على الذهاب معهم على مضض ولن أخسر شيئا فالمكان ليس بعيد من المنزل على أية حال , حين وصلنا لهناك وجدت عدد كبير من الحضور إستقبلونى بحفاوة ولطف , صوت موسيقى جميلة عمت أرجاء المكان , وقدر ما حاولت أن أعرف لمن هذه الموسيقى لم أستطيع التأكد وأنا كما تعلم هذه هوايتى الأولى وربما كان للشرب مفعوله ... وكنت فى قرارة نفسى أسترق السمع بكل حواسى لذلك اللحن الذى أسرنى بقوة , حركة الحضور داخل ذلك البهو وهمسهم يبدو متناسقا مع ذلك اللحن وكأن هذا اللحن وزع من أجل تلك الأمسية , كنت  الشخص الأسود الوحيد وسط ذلك الحضور .. جلست عند أحد المقاعد قرب واحد من الأشخاص الذين صادفتهم فى الشارع , نظرت للحضور مرة أخرى بتمعن فلاحظت ملابسهم تبدو غريبة ذات الوان سوداء داكنة جدا وشعورهم طويلة جدا وكلامهم بهمس خفيف لدرجة يصعب عدم سماعهم , يبدون و كأنهم خارج هذا العصر , الشراب يوجد ببراميل خشب كبيرة ذكرتنى بالأفلام القديمة والقصص المثيرة .. لحد تلك اللحظة شعرت بأن كل شئ عادى و طبيعى حسب ما رأيت بعيونى , لكن بعد قليل حدث شئ غريب جدا , أصابنى بخوف ورعب شديدين و تصبب العرق من جسمى كالمطر و تطاير شعر رأسى , وكل الشراب الذى شربته تبخر مفعوله فى ثوانى معدودة , كان يجلس أمامى شخصان يتبادلان الحديث بهمس , وأثناء تناولى لكأس الشراب لمحت أظافر طويلة تخرج من أيديهم ثم تعود مرة أخرى لشكلها الطبيعى , يبلغ طولها قرابة السبعين سنتمتر , ولاحظت أن أشكالهم تتبدل بين لحظة وأخرى بسرعة فائقة , نظرت للشخص الذى يجلس قربى ومعه بنت أخرى ووجدتهم طبيعين ولم أشعر بشئ غريب فى عيونهم لتلك الأظافر والجو الغريب هذا , وضعت الكأس على التربيزة وخاطبت الشخص الذى بالقرب منى :

- أسمحوا لى أن أستأذنكم بالمغادرة فأشعر بصداع ولفة رأس ..

- كما تحب وسعداء بمعرفتك ..

قلت لنفسى كيف سأقوى بالوقوف ومغادرة هذا المكان بعد الذى شاهدته ولا أملك له تفسيرا ؟؟؟ هل هؤلاء بشر أم أنهم من عالم الجن السفلي ؟؟ كدت أصرخ لكن شعرت بصوتى إختفى تماما . المهم وجدت نفسى بعد لحظات فى الشارع ولم أصدق أننى خرجت من ذلك المكان , هل تصدق يا ماجد أنى ذهبت هائما فى الشارع مثل المجنون ؟؟ لا أدرى إلى أين ذاهب ولا فى أى إتجاه أسير , فجأة مللت من المشى ولم أستطيع المشى أكثر من ذلك نمت تحت شجرة وقلت لن يحدث لى مكروه أكثر مما حدث لى هذا المساء , وفى الصباح وجدت عربية البوليس أمامى سألونى هل أنا بخير ؟ ولماذا أنام فى هذا المكان ؟ لا أدرى ماذا قلت لهم تحديدا لكن الشئ الوحيد الذى أعرفه أنهم أوصلونى للبيت هنا ولولاهم لما وصلت هنا مطلقا ...

- هل أنت جاد فيما تقول يا قاسم ؟؟

- كل الجدية يا ماجد ..

فكر ماجد فى هذا الموقف الغريب الذى حدث لصديقه ولم يجد له تفسير هو أيضا , وتخيل نفسه فى هذا الموقف ماذا كان سيفعل ؟ طرد هذه الفكرة من رأسه تماما ..

ولاحظ علامات الخوف والدهشة فى وجه صديقه وسرده لهذه التفاصيل الدقيقة الذى يوحى بمصداقية كلامه..

- هل تود أن ترى ذلك البيت العجيب يا ماجد ؟؟

- لما لا .. من باب العلم بالشئ فقط ..

فى صباح اليوم التالى كان الطقس باردا , وكانت ليلة طويلة لكل من ماجد وقاسم وقد ظل كل منهم ينظر لما حدث من زاوية مختلفة عن الآخر ...

- ما زلت تصر على الذهاب لذلك المكان أم غيرت رأيك ؟

- لا لم أغير رأيى مطلقا .. هيا بنا الآن إن شئت ..

وخرج كل من ماجد وقاسم للشارع ولم يسمع إلا وقع أقدامهم على الأرض وإنعدمت  بينهم لغة الكلام , كان قاسم يسير فى المقدمة بإعتبار أنه يعرف وصف ذلك البيت .. وبعد لحظات قال قاسم هذا هو البيت الذى كنت فيه ليلة أول الأمس ..

لكن ... لم يكن بهذا الشكل والتصميم مطلقا وإقتربوا من الباب ووجدوا يافطة مكتوب عليها ( دار عجزة ) نظر ماجد بإستغراب ودهشة لقاسم وقال له :

- هل أنت متأكد أن هذا هو المكان نفسه ؟ ربما قد تكون أخطأت المكان ..

- لا لم أخطئ أنا متأكد انه هو نفس المكان , مثلما متأكد أنك أمامى الآن ..

هذا نفس شارع البار الذى كنت فيه وعند خروجى منه بدقائق صادفنى أولئك المارة , ووصلنا إلى هنا تحديدا وقرب الباب كان يوجد صندوق البريد هذا أنظر له هنا وأشار بيده ... لحظات سكون وصمت ودهشة مريعة سادت بينهم الأثنين .. كسر قاسم الصمت وهمس كأنه يخاطب نفسه بصوت مسموع :

- لو كنت نائم لقلت أن ذلك حلم أو كابوس مزعج , لكن ذلك حدث وأنا فى كامل صحيانى ولم أشرب حتى أفقد وعيي .. ووجه كلامه لماجد هذه المرة :

حين نعود للبيت ذكرنى أن أعزف ليك ذلك اللحن الذى سمعته ليلة أول أمس هنا , فهذا هو دليلى الوحيد على صحة كل كلامى ... فى تلك الأثناء كانوا قد إتجهوا عائدين للبيت وفجأة صاح قاسم :

- تذكرت شيئا هاما فى تلك الليلة أثناء دخولنا ذلك البيت قال أحدهم هذا هو الرقم 83 .. هل دار العجزة يحمل نفس الرقم ؟؟

لم يجيب ماجد على سؤاله ويبدو أنهم لم يلاحظوا لرقم المبنى وقرروا أن يعودوا حتى يتأكدوا و يقطعوا الشك باليقين , وحينما وصلوا البناية وجدوها تحمل الرقم 83 ... نظرا لبعضهما فى حيرة تامة دون وجود أجوبة وتفسير لذلك الموقف الذى يكتنفه الغموض والشك و يتراوح بين الحقيقة و الحلم وبين الواقع والخيال ...

( إنتهت )