الغراب اللئيم
الغراب اللئيم
كريمة عبد الرزاق
يا صغار ويا أحباب بعد الصلاة على النبي المختار يحكى أنه في عالم الحيوان حيث الدفء والحنان والمودة والإخاء سائدة بين الأهل والجيران تسكن حمامة وديعة لطيفة ونشيطة في أعالي شجرة وارفة الظلال كثيرة الرزق والثمار ، وكانت صاحبة أخلاق كريمة ، ذات هيبة في الغابة وحكمة صائبة.وعاشت مع باقي الحيوانات في هدوء واستقرار.
في مرة من المرات دخل الغابة زائر غريب يبحث عن دار للسكن ومأوى له، ولم يجد مكانا إلا في الشجرة التي تسكنها الحمامة، وبهذا أصبح لها جار اسمه السيد غراب.
مرت الأيام ومكانة السيد غراب بين الجيران كفرد من الأهل والأحباب وعاملته كل الحيوانات بكل حب وإخاء، إلا انه كان سيئ الأخلاق، كثير النزاعات والمناوشات، محبا للهو وللعب، تاركا الجد والعمل، لا يحترم الكبير ولا يوقر الصغير.
وفي يوم من الأيام جاءت مجموعة من الحيوانات تشتكي السيد غرابا للحمامة الحكيمة.
قالت الحيوانات:" أيتها الحكيمة إن جارك السيد غراب أخذ منا طعاما على أن يرده بعد أيام، لكنه بعد ذلك تهاون ولا يريد أن يعيد لنا ما أعطيناه، والشتاء قادم، والبرد قارص؛ وهذا زادنا وزاد عيالنا".
تعجبت الحمامة مما فعل غراب وطلبت إحضاره. جاء غراب متثاقلا في مشيته وما إن رأى الحيوانات حتى أدرك الأمر. سألته الحمامة عما قالته الحيوانات فاخبرها أنه فقيرا وليس عنده ما يعيده لها.
أشفقت الحمامة الطيبة عليه وأعطت الحيوانات من طعامها ما يكفيهم وأبناؤهم في الشتاء، وأمرت السيد غراب أن يعمل عندها ليأكل من عمل يده ولكي لا يكون عالة علة أحد.
عمل السيد غراب أياما عند الحمامة لكن الأمر لم يعجبه فقد ألف حياة اللهو واللعب ولم يكن يستطيع العمل بسبب الكسل فتظاهر بالمرض ولزم الفراش أياما طويلة.
لم تر الحمامة سيد غراب في العمل مدة طويلة فاستغربت غيابه، وذهبت لزيارته. دقت الباب دقا خفيفا فجاء صوت سيد غراب من الداخل :" من بالباب؟"
قالت الحمامة : " أنا يا سيد غراب حمامة الشجرة الغناء ".
فقال بصوت ذليل:" أدخلي أيتها الطيبة".
دخلت الحمامة فتظاهر سيد غراب بالمرض وهو في الفراش، اقتربت منه وقالت:" سلامتك يا سيد غراب، لقد طال غيابك عن العمل، فجئت أتفقدك".
رد السيد غراب وهو يتصنع الألم:" شكرا أيتها الحمامة الحنون، إني مريض ولا أستطيع النهوض"، لكن الحمامة قالت: "لكن لا حمى لديك، ولا يظهر عليك الشحوب".
فقال الغراب اللئيم:" إنه مرض لا حمى له، إنه يأكل أحشائي أكلا"، وصرخ الغراب متألما.
خرجت الحمامة من بيت السيد غراب متجهة نحو بيتها وحملت له ما استطاعت من الطعام والشراب وكذلك الغطاء.
شكر السيد غراب الحمامة في مكر كبير وتظاهر بالألم الشديد.
مرت الأيام تلوى الأيام والغراب يأكل من طعام الحمامة ولا يظهر عليه الشفاء.
فكرت الحمامة الحكيمة في الأمر مليا، وعرفت أن الغراب يخدعها بقوله أنه مريض، فأسرعت نحو الطبيب وأخذته إلى بيت السيد غراب. دخلت الحمامة والطبيب معها، وما إن رآه السيد غراب حتى صاح:" من أنت؟ ولما جئت إلى منزلي؟".
قالت الحمامة:"إنه الطبيب أحضرته ليعطيك دواء فقد طال مرضك، وخفت عليك الموت"
أدرك سيد غراب أن أمره قد انكشف لكنه سرعان ما فكر في حيلة تنقضه فقال للحمامة:" شكرا أيتها الحنون، لكن يجب أن تخرجي حتى يفحصني الطبيب". وما إن خرجت الحمامة حتى هب السيد غراب واقفا، وقال للطبيب:" أيها الطبيب الحكيم إنك حيوان ذكي، وأنا أعلم أنك ستساعدني؛ أنا لست مريضا، ولكنني كنت أخدع حمامة كي تحضر لي الطعام دون جهد مني ولا عمل، فقل لها أنني مريض وسأقاسمك ما ستحضره لي الحمامة".
غضب الطبيب غضبا شديدا، وقال للسيد غراب:" أنت كذاب ولص: كذاب لأنك تدعي المرض وأنت لست مريض. ولص لأنك تأكل طعام الحمامة التي تعمل لتكسبه، وأنا لن أكون لك شريكا، بل سأخبر حمامة بهذا، بل وكل الحيوانات"
خاف السيد غراب وانهال على الطبيب ضربا.
سمعت الحمامة صوت الطبيب وهو يصرخ فأسرعت بالدخول ووجدت الطبيب على الأرض والغراب يضربه. أمسكت الحمامة بالغراب ونادت كل الحيوانات ليروا ما فعل.
وبعد أيام من المشاورات بين الحيوانات قرروا أن يطردوا الغراب اللئيم من غابتهم.
وقالت الحمامة الحكيمة للغراب: "أخرج من غابتنا الفضيلة فلا مكان هنا للرذيلة"
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا "