السائق وجلالة سيده المعظم

أحمد توفيق

[email protected]

لطالما انتظرت أنا وبعض الخلان رحلتنا الموعودة, والتي اتفقنا على أن تكون خلال العطلة الصيفية من العام المنصرم . ولكن على العكس من اتفاقنا لم نخرج لأسباب خارجة عن إرادتنا , بيد أنا عوضنا بقدوم الشهر الفضيل, لم أتبرم ولم اغضب, بل على العكس نظرت بعين ايجابية لما آلت إليه رحلتنا الموعودة. السبب بسيط وهو أني العبد الفقير والتي لم تطأ قدمي ارض  تلك البلاد من قبل لا زلت أعاني عقدة المزاوجة بين تلك البلاد وحاكمها, ولا استطيع أن أميز بين الأمرين,  حاكم ظالم  متواطئ وبلاد ممكن أن نبتعد من خلالها عن ضغط العمل  ونكسر الرتابة والروتين اليومي والكلام منسوب لأصدقائي.

لم يتنازل أقربهم إلي عن فكرة أن نخرج سوية ففي جلسة جمعتنا قال سنخرج معا وسنسافر لا محالة إلا إذا لم يرد الله ذلك. حينها ظل هاجس تلك البلاد يراودني واقترحت عليهم مكان آخر في دولة أخرى وأبى الأصدقاء إلا أن تكون تلك الدولة .

أتى الموعد انطلقنا باتجاه الشمال واجتزنا الحدود , ولا أطيل عليكم   فسرعان ما فاجأتنا صورة كبيرة لزعيم هذا البلد في المعبر الحدودي وتغامز الأصدقاء ونظروا إلي ضاحكين وكأني من نصب هذا الحاكم . اغتظت لا شك ,واحترقت, ولكن لا مكان للتذمر في رحلة هي رديف الاستمتاع والاستجمام بعرف صداقة مضى عليها عقد ونيف من الزمن.

واصلنا مسيرتنا بعد أن تقدمت نحو سائق تبدو عليه ملامح الشقاء, واتفقنا معه على المبلغ لقاء إيصالنا إلى العاصمة, سألته أثناء مسيرتنا عن المناطق  وعن الفلاحين والمزارعين الذين كنت أشاهدهم في طريقنا وكان يجيب بطيبة قلب وبابتسامة طيبة كقلبه .

خلال مشوارنا شاهدت لوحات كثيرة لحاكمهم المفدى غير أني لم أكن أتوقع حتى في أكثر حالات الفانتازيا أن يبادر المواطنون أنفسهم إلى نصب صور هذا الحاكم على كل مفترق طرق أو وسط مركز تجاري أو دوار, وتحت كل صورة كتب اسم الشخص الذي بادر إلى نصب صورته معبرا عن ولائه ومبايعته لملكه المفدى وكأني بنساء العالم  وقد عجزن عن ولادة شبيه له.

تساءلت كيف سأتفاهم مع أناس ينافقون وبعلانية تكنولوجية يتملقون  فالكل كما يبدو يهتفون بحياة الملك بغض النظر مخيرين أم مجبرين .

ساعة مضت ووصلنا العاصمة واستأجرنا شقة رائعة وبدا لي الناس طيبون جدا وكانت شهيتي تحضر للحديث مع سائقي سيارات الأجرة الذين سررت بأدبهم وصدقهم لعدم محاولاتهم استغلالنا كما كنت أخشى, فكنا نكافئهم على ذلك بإضافة بعض الوريقات النقدية على الأجر عند بلوغنا مقصدنا الذي اتفقنا عليه معهم.

غير انه في اليوم الأخير استشطت غضبا عندما أردنا التسوق وشراء الهدايا لمن نحبهم وركبنا مع سائق شاب في عمرنا تقريبا والذي لم يتوقف عن كيل المديح وذكر مثالب زعيمه قائلا" هذه المدينة بناها جلالة سيدنا على نفقته للقوات الخاصة" وهذا الحي بناه جلالة سيدنا الله يحفظه من حسابه الخاص للمساكين والغلابا أطال الله في عمره" لا اخفي امتعاضي وقلة صبري على هذا الشاب ,ورأيت بحديثة اهانة لعنفوان الشباب الذي يجمعني وإياه وبصراحة رايته كعبد أو كنعجة في قطيع لا تملك من أمرها شيئا.

مضى على رحلتنا قرابة الشهر ولا زلت ارفض بشدة هذا النفاق  ويزعجني تذكر ذلك الموقف ,واتسائل ما الذي فعله جلالة سيده سوى القمع وتكميم الأفواه وسجن الشرفاء وتعذيب الأحرار  والتواطؤ في القضايا الكبرى والمتاجرة والتآمر على الأمة وشعبه أولا.

لا زالت اتسائل ,هو ليس موظف دولة وان كان كذلك فهذا لا يبرر مديحه ,ولا هو من الأسرة الحاكمة ولا يبدو من أبناء الذوات أو" المقربين من الصحن" على حد قول المثل الشعبي.

هل تصدق مقولة الكاتب التي قرأتها يوما بان الناس عبيد ما ألفوا فهو تعود على هذا الوضع المزري لحد تصديقه شعوريا أو لا شعوريا؟

من يملك الإجابة فليسعفني ما الذي دفع بهذا الشاب إلى القول بما قال؟.

وللسياحة شجون.

دمتم بخير